الجزائر

١٠.٠٩.٢٠١٨

الهجرة  2 د فريكيا، ٥٧ عامًا.

فريكيا، امرأة متوسطة العمر شعرها أسود، تجلس في أحد المقاهي في ساحة أودان، في إحدى ليالي شهر رمضان.
فريكيا في مقهى بساحة أودين في وسط مدينة الجزائر في إحدى ليالي شهر رمضان. ©معهد جوته/ليلى سعادنة
اسمي فريكيا، ولدت عام ١٩٦١ بمدينة فورباك في شمال شرق فرنسا. غادر أبي الجزائر في عمر التاسعة عشر وشغل عدة وظائف قبل أن يستقر في تلك المدينة ليعمل بها كعامل منجم لبقية حياته. أزعم أنني قضيت طفولة مبكرة رائعة بين الحقول والطبيعة والثلج. تغيّرت الأمور في فترة المراهقة حيث كان أبي من أشد المحافظين على التقاليد فكان يقيد حريتنا بالكامل. كانت المدرسة بالنسبة لي بمثابة طوق النجاة.
 
كبرت في بلدة مسافرين بمدينة بيرن لي فورباك. لم يكن هناك سوى أجانب: مغاربة وإيطاليون وبولنديون وجنسيات أخرى كثيرة، كانت هذه هي الموجة الأولى من المهاجرين، كل من كانوا يعملون بحقول الفحم بمنطقة لورين. لم نكن نخرج أبدًا من البلدة وكانت مدارسنا بداخلها. قضت أمي أكثر من خمسين عامًا في فرنسا دون أن تعرف كلمة واحدة بالفرنسية فهي لم تتعامل أبدًا مع فرنسيين ولم يكن حولها سوى نساء جزائريات. تم عزلنا تمامًا عن المجتمع الفرنسي.
 
في عام ١٩٧٩ رسبت في امتحان الشهادة الثانوية. مكثت سنة كاملة بالمنزل، بحثت عن العمل وبالفعل أتيحت لي فرص عديدة ولكن أبي قال لي: "روحي بلدِك، تخدمي في بلدِك، هنايا ما تخدميش! (أي: عودي إلى بلدِك وأعملي بها، لا تعملي هنا). كانت أختي الكبيرة بالفعل في الجزائر وكانت في مراسلاتها معنا تحكي عن كل الأحداث المثيرة التي كانت تدور وقتها: الثورة الزراعية والعمل التطوعي والتعامل المباشر مع الفلاحين والحلم الجزائري بقيادة بومدين...
 
في عام ١٩٨١ وصلت إلى الجزائر وأنا في سن العشرين ومُحَمّلة بكل هذه الأحلام.
 
عشت مع أخي في سيدي فرج حيث كانت في انتظاري سعادة من نوع آخر: الشمس والبحر الذي كنت ألقاه لأول مرة. كنا نعيش على الشاطيء أمام مركز العلاج بمياه البحر وفي الصيف كانت حفلات الموسيقى والمهرجانات التي تُنظَم بميناء سيدي فرج تجعل المكان ساحرًا.
 
طلبت مرارًا وتكرارًا من أخي أن يجد لي عملًا في مركز العلاج بمياه البحر وانتهى بي الأمر بالذهاب إلى هناك بنفسي. قابلت كبير الأطباء بالمركز وتم تعييني كممرضة مساعدة وعملت هناك لمدة عام. كانت مغامرة جميلة.
لاحقًا كانت إحدى صديقاتي تنوي التقدُم لاختبارات المضيفات بالخطوط الجوية الجزائرية فسجَّلت اسمي معها. تم تعيين كلانا وبقيت بهذه الوظيفة ٣٥ عامًا!
 
لطالما رأى الناس أني مختلفة، مختلفة في طريقة تفكيري وطريقة تعبيري عن نفسي وطريقة عملي. كان لقب المهاجرة يطاردني أينما ذهبت وطوال مسيرتي المهنية. حقيقة الأمر أن ذلك كان يحميني، كان يعطيني الفرصة لأتصرف بطبيعتي، لأكون صادقة وأصيلة. حين كنت أتصرف ببعض الحرية في طريقة لبسي على سبيل المثال، كان الناس يقولون: "هذا طبيعي! هادي جورية (إنها فرنسية)!"، بينما كانوا أكثر شدة مع الجزائريات.
 
حين أتيت إلى الجزائر كنت أتحدث القليل من الجزائرية ولكن ذلك لم يعقني فالناس هنا يتحدثون الفرنسية، وربما لهذا السبب لم أتعلم أبدًا اللغة المحلية على نحو كامل. ما زالت حتى اليوم لدي لكنة يعرف منها الناس أنني مهاجرة على الرغم من أني أعيش بالجزائر من ٣٧ عامًا. أشعر بأني جزائرية، فأنا أختلط دومًا بالناس وأعيش بحيّ شعبي. أعشق تلك الأماكن! أحب الناس لما هم عليه فعلى المرء أن يكون صادقًا وألا يطلب مقابلًا لما يفعله وسيعوّضه الناس خير تعويض. أحب الجزائر، جئت هنا من أجل هذا البلد، ولكني قبل كل شيء مواطنة من مواطني العالم. المشاعر التي أحملها تجاه الطبيعة البشرية والتي أؤمن أنها حقًا خيرة هي أساس التوازن الذي يمكن من خلاله لأي شخص أينما كان أن يعيش في سعادة. أنا الآن هنا، في هذا المكان، وما عليّ سوى الحصول على الأفضل وهذا يكفيني.

مصورة ليلى سعادنة

ليلى سعادنة - منتجة أفلام وثائقية وفنون بصرية تعيش وتعمل منذ عامين في الجزائر العاصمة. بعد دراستها للفنون التطبيقية في باريس التفتت ليلى إلى المشروعات السينمائية والفنية الوثائقية الهادفة ذات الطابع الشاعريّ. تتطرَّق مشروعاتها وأبحاثها إلى قصص الهجرة فيما بعد فترات الاستعمار وتتناول تصريحات ونضالات الأشخاص الذين تأثّروا بأشكال مختلفة من القمع متعدد الجوانب؛ كالعنصرية والتمييز الجنسي. كما وتولي اهتمامًا خاصًا لتجارب النساء فيما بعد الاستعمار.