٣٠.١٠.٢٠٢١

الغسل الأخضر   الأكاذيب الخضراء: المراقبة أفضل من الثقة

حقل فول الصويا في البرازيل.
حقل فول الصويا في البرازيل. صورة (مقطع): © Adobe

الغسل الأخضر لا يضلل فقط المستهلكين والمستهلكات، بل ويقف في الوقت نفسه عقبة في طريق التغيير الحقيقي. إن الوعود البيئية والتراخيص الطوعية، قد ضللت الجمهور لفترة طويلة، ودفعته للاعتقاد بأن الاقتصاد العالمي سيراعي البيئة من تلقاء نفسه. لا بد من تصويب هذا التصور الخاطئ بموجب قانون رسمي.   
 

الغسل الأخضر لا يضلل فقط المستهلكين والمستهلكات، بل ويقف في الوقت نفسه عقبة في طريق التغيير الحقيقي. إن الوعود البيئية والتراخيص الطوعية، قد ضللت الجمهور لفترة طويلة، ودفعته للاعتقاد بأن الاقتصاد العالمي سيراعي البيئة من تلقاء نفسه. لا بد من تصويب هذا التصور الخاطئ بموجب قانون رسمي.   

 "أنقذوا الكوكب": تلك هي العبارة التي تجدها على عبوات طعام الكلاب، تيرا كانيس، التي يتم تصنيعها من قبل شركة نسلة. من المفترض أنه يتم تخصيص نسبة من عائد كل عبوة لحم مباعة من هذه الماركة لتشجير الغابات وإنتاج المصابيح الشمسية في أفريقيا أو تنظيف المحيطات. وهذا يعني أن ازدياد مبيعات عبوات اللحوم، سيساهم بدوره في إنقاذ العالم، أو هذا ما يريدون إقناع الناس به.
     
لكنه لم يُكتَب على عبوة طعام الكلاب المحتوية لحم أن الاستهلاك المفرط والمتزايد عالميًا للحوم تحديدًا هو ما يساهم بقدر كبير في تدمير الغابات، لأنه عادة ما يتم إبادتها من أجل زراعة أعلاف الحيوانات، كفول الصويا، زراعة أحادية في معظم الأحيان، وهو ما يضر بالمناخ. ولهذا أيضًا تساهم تربية الحيوانات، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) بنسبة ١٤،٥ بالمئة تقريبًا في غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم.  

وتُسمى هذه الاستراتيجية، التي تلجأ إليها الشركات من أمثال نسلة لإخفاء نشاطها الأساسي الضار بالبيئة والمناخ وراء ستار أخضر، بـ "الغسل الأخضر". ورغم اختلاف وسائله، إلا أنها تستند جميعًا إلى نفس الآلية؛ حيث يتم الترويج للشركة بكلمات وصور لطيفة باعتبارها شركة ملتزمة بيئيًا، وبوعود معسولة بخفض مستويات ثاني أكسيد الكربون. ولا يتم تسليط الضوء على نشاط الشركة الأساسي المربح والضار بالبيئة والمناخ، من أجل إراحة ضمائر المستهلكين. حتى أن بعض شركات النفط والسيارات والخرسانة والفحم تتعهد الآن بتحقيق مبدأ "صفر انبعاثات"، أي بوصول صافي الانبعاثات الناجمة عن صناعاتها من غازات الدفيئة إلى الصفر بحلول عام ٢٠٥٠. وترفض في الوقت نفسه الاستغناء عن نشاطها القائم على استغلال كميات لا حصر لها من المواد الخام، بل تعتزم تعويض انبعاثاتها بإجراءات أخرى، كمن خلال التشجير، على سبيل المثال. إلا أن مثل هذه الإجراءات لا تجنِّب البيئة الضرر الناجم عن استخراج الوقود الأحفوري، ومن أصل عشر مبادرات لإعادة التشجير تبوء تسعة بالفشل. 

 

أعلنت شل عن هدفها في أن تكون محايدة للكربون بحلول عام 2050-لكن الشركة لا تريد التخلي عن أنشطتها في مجال النفط والغاز حتى الآن وتعتمد بدلا من ذلك على المقاصة ومصارف الكربون. نشطاء غرينبيس يتظاهرون ضد استخراج الوقود الأحفوري بملصقات "الثورة الحرة الأحفورية" في غلاسكو في أكتوبر 2021. أعلنت شل عن هدفها في أن تكون محايدة للكربون بحلول عام 2050-لكن الشركة لا تريد التخلي عن أنشطتها في مجال النفط والغاز حتى الآن وتعتمد بدلا من ذلك على المقاصة ومصارف الكربون. نشطاء غرينبيس يتظاهرون ضد استخراج الوقود الأحفوري بملصقات "الثورة الحرة الأحفورية" في غلاسكو في أكتوبر 2021. | صورة (مقطع): © بيكتشر آليانز/أسوشياتد برس/بيتر ديجونج

الختم البيئي وما وراءه من وعد فارغ

للغسل الأخضر وجوه كثيرة. بعض الشركات تلجأ إلى حملات التبرع، مثل نسلة، والبعض الآخر يطلق مشروعات بيئية أو يتعاون مع منظمات لحماية البيئة. ولكن أنظمة الترخيص الخاصة والطوعية، مثل ترخيص منتجات المواد الخام والخشب وزيت النخيل وفول الصويا والقطن والكاكاو والقهوة والشاي، أصبحت أيضًا من الأدوات الرئيسية التي يعتمد عليها الغسل الأخضر.

لم تحظَ أختام الاستدامة هذه بثقة المستهلكين والمستهلكات فحسب، بل وكذلك بثقة المنظمات غير الحكومية، وانطلق بعض الساسة من قدرتها على توجيه الاقتصاد نحو مسار أكثر استدامة، لقناعتهم بأن مثل هذه المبادرات من شأنها أن تؤدي إلى احتواء الدمار البيئية إذا ما تسنى إقناع الشركات المتسببة في أضرار بيئية كبرى بالامتثال طوعًا للمعايير الاجتماعية والبيئية. ولكنّ هذه المبادرات لم تنجح في تحقيق ذلك حتى الآن، وطالما كانت محل نقد لأنه يتضح بعد ذلك أن المنتجات المرخصة لم تلتزم في إنتاجه، إما كليًا أو جزئيًا، بمعايير الاستدامة.

أنظمة الترخيص الخاصة والطوعية تحولت إلى أداة من أدوات الغسل الأخضر أنظمة الترخيص الخاصة والطوعية تحولت إلى أداة من أدوات الغسل الأخضر | صورة (مقطع): بيكتشر آليانز/وكالة تسنترالبيلد/باتريك بلويل

الرقابة الذاتية لا تجدي

قامت شركة التبريد، إيجلو، بالترويج لمنتجاتها منذ بضع سنوات من خلال الإعلان عن تبرعها ببضع سنتات من عائد كل عبوة مباعة من أصابع السمك إلى أحد مشروعات الحفاظ على البيئة البحرية لمنظمة WWF لحماية البيئة. واليوم، تقوم شركة إيجلو ببيع منتجات سمكية مرخصة بختم "مجلس الإشراف البحري"، إم إس سي، للصيد المستدام. وعلى الرغم من أن ملصق هذه المنظمة يزين نحو ١٢ بالمئة من المنتجات السمكية حول العالم، إلا أنه صار محل نقد منذ سنوات طويلة. ففي عام ٢٠١٢ أثبت مركز جيومار لبحوث المحيطات ومعهد العلوم البحرية بكيل أن ثلث الأسماك الموسومة بختم "إم إس سي" يأتي من موائل الصيد الجائر. وبحسب تقرير صدر مؤخرًا عن منظمة بلوم الفرنسية غير الحكومية، يتم استخدام تقنيات صيد مدمرة، كشباك الجر الخاصة بالسفن الصناعية الكبرى، في ٨٣ بالمئة من المصايد الحاصلة على ترخيص مجلس الإشراف البحري. وهذا لا يقتصر على ختم مجلس الإشراف البحري فقط.       
 
في مارس ٢٠٢١ أصدرت منظمة السلام الأخضر دراسة بعنوان "دمار مصدَّقٌ عليه" كرستها لفحص تسعة من أنظمة ترخيص المواد الخام؛ من بينها المائدة المستديرة للإنتاج المستدام لزيت النخيل (RSPO) والمائدة المستديرة للإنتاج المسؤول لفول الصويا (RTRS) وتحالف الغابات المطيرة ومجلس الإشراف على الغابات (FSC). وانتهت الدراسة إلى أن هذه الأنظمة ما هي إلا أدوات ضعيفة غير قادرة على مواجهة تدمير الغابات والنظام الإيكولوجي على مستوى العالم"، لأن معظمها يسمح للشركات بمواصلة ممارساتها المدمرة.    

حلت حقول الصويا محل الغابات المطيرة: حصاد الصويا في ماتو جروسو في البرازيل حلت حقول الصويا محل الغابات المطيرة: حصاد الصويا في ماتو جروسو في البرازيل | . صورة (مقطع): © Adobe

مكافحة الغسل الأخضر بالقوانين الجديدة

إن منح الشركات الفرصة للالتزام طوعًا لم ينتج عنه أي تغيير يذكر على مدى الـ ٢٠ عامًا الماضية. وهذا ما أدركته أيضًا الحكومة الألمانية، وتسعى لذلك إلى فرض مسؤولية قانونية على عاتق الشركات. أقرت الحكومة الاتحادية قانون سلسلة التوريد في صيف عام ٢٠٢١ استجابةً لضغوطات شديدة من قبل المجتمع المدني. يهدف هذا القانون إلى إجبار الشركات على الالتزام بمسؤوليتها المجتمعية إزاء حقوق الإنسان والمتطلبات البيئية بجميع مراحل سلسلة التوريد.   

وقد نجحت جماعات الضغط الصناعية في إضعاف مشروع القانون إلى حد كبير، فلم يعد ينطبق على الشركات التي تشمل ٢٥٠ موظفًا فأكثر، بل فقط على تلك التي يعمل بها ما لا يقل عن ٣٠٠٠ موظف. كما أنه لا يفرض أية مسؤولية مدنية على عاتق الشركات ويمس فقط الموردين المباشرين. ورغم كل هذا، لم تنجح هذه الضغوط في الحول دون سن هذا القانون، ليعلن قريبًا انتهاء عهد الالتزامات الطوعية.   
 

المزيد ...

Failed to retrieve recommended articles. Please try again.