النسوية الشعبوية وما يُعرف بـ النسوية الجديدة أو نمط الحياة النسويّ – هل يحرراننا حقًا؟ وإن كان هذا صحيحًا، فعلى من تعود "نا الفاعلين"؟ في ظل عزلة الحظر والإغلاق التام أخذتنا الصحفية البرلينية، مارجاريتا تسومو، معها في جولة في عالم أفكارها وقدمت لنا بيانًا نسويًا.
يبدو لي في عام ٢٠٢١ أن المرأة – أو جنس البشر الذي يُسمى بـ المرأة – قد أصبحت أكثر تحررًا من أي وقت مضى؛ ما بين ترقيتها بموجب القانون للمناصب التنفيذية وتشجيعها على ممارسة السياسة والمهن الفنية واجتياحها سوق العمل بكل معنى الكلمة. كما صار بإمكانها استخدام وسائلٍ لمنع الحمل وإدانة العنف والتحرش الجنسي عبر هاشتاج #metoo أو #أنا_أيضًا، وأصبح يُشار إليها الآن بصيغة التأنيث والتذكير المشتركة في كل المواضع تقريبًا.
أما الثقافة الشعبوية، فغنية عن البيان. تجد النجمات، من أمثال چانِل مونيه وبيونسيه، يتنافسن على تقديم أنشودة الپوپ النسوية القادمة، وموقع نتفليكس يعج بشخصيات نسائية قوية في أدوار البطولة، والمذيعين الألمان، چوكو وكلاس، ينتقدان على قناة پرايم تايم أولئك الذين يرسلون صورًا إباحية غير مرغوب فيها لأعضاء ذكرية.
كما تطلعت ألمانيا لمفهوم الذات النسائية من منظور أكثر تطورًا. فإن من وُلِدَ بمهبل ما عاد يندرج تلقائيًا ضمن الإناث، وأصبح من الممكن لمن وُلِدوا بأعضاء ذكرية الانتماء لجنس الإناث أيضًا. وصار هناك جنس ثالث معترف به في ألمانيا بموجب القانون، وخرجت الثنائيات المثلية من القوائم السوداء وصار بإمكانها الزواج، وأصبح الشباب الأكثر ذكاء هم من يصفون أنفسهم بـ "غير الثنائيين".
واقع صادم
رغم كل ما تحقق من إنجازات في مجال النسوية إلا أنه علينا التسليم في الوقت نفسه بوجود أعراض جانبية متزامنة مع هذه التطورات. في ظل الليبرالية الحديثة السائدة في الوقت الحالي لازال ملف "المرأة" ضمن قضية الچندر يرتبط بواقع مادي وصادم على كثير من الأصعدة.من ناحية، تأبى فجوة الأجور بين الجنسين أن تنسد، وهو ما يعود جزئيًا إلى عمل معظم النساء في قطاعات الأعمال منخفضة الأجور مثل التعليم ومجال الرعاية والتمريض وما إلى ذلك. ومن ناحية أخرى، لا يزال ثلثي الأعمال المنزلية وأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر يقع على عاتق النساء، وقد تفحل هذا الوضع على نحو جذري بسبب أزمة الكورونا وما فرضته من تعليم منزلي.
الخطر الكامن في نمط الحياة النسويّ
ازداد العنف داخل الأسر وفي العلاقات، وتجلى العنف ضد المرأة وصار سببًا لهياج الرأي العام. وعلى الرغم من مقتل امرأة على يد صديقها كل ثلاثة أيام في ألمانيا، إلا أن أعداد الضحايا لا تسجل في إحصاءات رسمية ولم يندرج مصطلح "قتل النساء" ضمن المفردات القانونية بعد. بالإضافة إلى ذلك، هناك حقوق أساسية ذات صلة بتقرير المصير الجنسي والإنجابي لم تحصل المرأة عليها بعد. ورغم أن هناك حالات معينة لا يفرض فيها القانون الألماني عقوبة على الإجهاض، إلا أنه لا يزال غير مشروع كما كان في السابق.وهذا هو الخطر الكامن في نمط الحياة النسوي وما له من أشكال مختلفة واسعة الانتشار، إذ يقوم بالتعتيم على الأوضاع غير المتكافئة وعلى حالات العنف باحتفائه بالإنجازات الفردية في مجال النسوية.
وهو ما يعتم بدوره على غياب معظم نساء العالم عن المناصب التنفيذية، بل تجدهن ينظفن غرف الاجتماعات عند الفجر قبل ساعات من وصول المدراء. فالغالبية العظمى من النساء هن من يتولين تنظيف الأرضيات ومؤخرات الرضع والأجداد. وهؤلاء لسْن من ذوات البشرة البيضاء، بل مهاجرات أو من سكان الجنوب العالمي. ويبقى أن نبحث في مدى مساهمة شركة زالاندو في تحرير هؤلاء النساء باستعانتها بعدد هائل من النساء ذوات البشرة السمراء في إعلاناتها.
للتحرر أدوات مختلفة
إن ما يشغلنا في ملف المرأة ليس فقط اختلاف الهويات والقصص الجنسانية، بل وكذلك حاجة النساء إلى أدوات ووسائل مختلفة بناءً على اختلافهن. ولذلك، فإن النسوية أكبر بكثير من مجرد الإشارة إلى التمييز ضد المرأة. إنها مشروع سياسي واسع النطاق يُفتَرَض به أن يلفت انتباهنا إلى أوجه عدم المساواة على الصعيد الهيكلي؛ إلى الهياكل التي تفرِّق بين النساء على أساس خلفياتهن العرقية أو الاجتماعية وتعمل معًا على ترسيخ وضع النساء كفئة متضررة في المجتمع.ترى الحركات الكويرية النسوية الراديكالية أن التخصيص الرأسمالي للموارد وتدمير البيئة والطبيعة والعنصرية والتقسيم الاستعماري للعالم لا يساهم فقط في قمع النساء، بل ويتسبب فيه أيضًا. إذا ما ألقينا نظرة على هذه الهرمية غير المتكافئة من الناحية التاريخية للاحظنا أنها ليست فقط من صنع الرجال وأن جميعها قد ظهر في وقت واحد وبشكل متزامن، بل وأنها أصبحت اليوم المنظومة التي تعمل على إضعاف النساء المتضررات بالفعل.
وترى الناشطات أن العنف ضد المرأة وتجاه الطبيعة والعنف الرأسمالي والعنصري بكل أشكاله ينبع من نفس الحمض النووي السام الكائن في مجتمعاتنا.
وأنا أرى أنه لن يتسنى للنساء أن يتحررن قبل أن يستحدثن نماذج جديدة للبشر والطبيعة والإنسانية والعالم، وليس فقط نماذج چندرية جديدة.
"بوضوح ..."
يتناوب كل من مارجاريتا تسومو واكسيميليان بودِّنبوم ودومينيك أوتيانجا كل أسبوع على كتابة مقال ضمن سلسلة مقالات "بصراحة...". يلقي كتابنا البرلينيون بأنفسهم في خضم الأحداث لينقلوا إلينا صورة عن الحياة في المدينة الكبرى وما يلفت انتباههم وسط الحياة اليومية؛ في المترو والسوبرماركت والنادي.
٢٠٢٠ نوفمبر