هل تعيش بونّ في ظل كولونيا؟ هل تعاني من أزمة هوية؟ في هذا المقال تسلط لنا ليوني جوبِلا الضوء على ما تتميَّز به بونّ ويجعلها فريدة من نوعها بين المدن الأخرى وتكشف لنا سبب ارتباط المدينة في أذهان الكثيرين بهذه الصور النمطية.
زهور كرز وطريق مرصوف بالحجارة
المظلة الوردية: هكذا يبدو الحي القديم بمدينة بونّ في فترة تزهير أشجار الكرز.
| الصورة (مقطع): © أدوبي
يتميَّز الحي القديم بما فيه من أزقة متعرجة ومعالم أثرية مسجلة من الحقبة الفيلهلمينية وبارات ومعارض فنية. وعندما تزهر أشجار الكرز على جانبي شارع هِرشتراسِه وتتحد قممها معًا على هيئة مظلة وردية كثيفة في الفترة من منتصف يوليو وحتى أواخر مايو يتوافد عليه مستخدمي إنستجرام وكذلك المصورين المحترفين لالتقاط الصور والمشاركة في مسابقات التصوير. ويمكن كذلك الاشتراك في نشرات مخصصة لهذا الغرض ومتابعة هذا الموسم القصير لحظة بلحظة. فيما عدا الموسم الوردي، يتوافد الزوار على الحي القديم لتذوق البيتزا الفاخرة التي يقدمها مطعم Tuscolo الكائن بجوار مجمع سباحة Frankenbad، أو لزيارة المتحف النسائي. وتصبح الأجواء أكثر هدوءًا واستجمامًا في منطقة المقابر القديمة التي تتميز بشواهدها المائلة المغطاة بالطحالب.
مبادرة بِتون فور بونّ" (خرسانة من أجل بونّ)
لقطة لساحة بونّ للتزلج وسط متنزه رايناوه ببونّ.
| الصورة (مقطع: © مبادرة بِتون فور بونّ
أطلقت جمعية Subculture Bonn (جمعية بونّ للثقافة الفرعية) مبادرة بعنوان Beton für Bonn (بمعنى خرسانة من أجل بونّ) وحرصت من خلالها على مدار أربعة أعوام على تنظيم فعاليات لجمع التبرعات وحفلات موسيقية ومسابقات، وقامت ببيع سلع ومنتجات ترويجية وناضلت من أجل جذب المستثمرين. وتحقق حلمها أخيرًا في صيف ٢٠١٨ حين تم افتتاح أول ساحة للتزلج في متنزه رايناوه، تحديدًا في الجزء الكائن بحي بويِّل. وقبل إنشاء هذه الساحة لم يكن هناك سوى منصة تزلج واحدة (نصف أنبوبية) على الجانب الآخر من نهر الراين وكانت مخصصة للمتزلجين المحترفين فقط. ولذلك سعى أعضاء جمعية ساب كالتشر لإنشاء ساحة تزلج أكبر حجمًا وحتى لا يضطر محبي التزلج من سكان المدينة للهروب إلى ضواحيها لممارسة هوايتهم.
حديقة هوفجارتِن وحلوى الدببة الشهيرة
مازال الأطفال يلعبون الكويديتش في حديقة هوفجارتِن بمدينة بون حتى بعد أن هدأ الهوس بأفلام هاري بوتر
| صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ وكالة الأنباء الألمانية/ فولكِر لانِّرت
ما من مكان آخر تتجلى فيه راحة البال والعفوية في يوم صيفي تقليدي كما تتجلى هنا في حديقة Hofgarten التي يطل عليها المبنى الرئيسي للجامعة؛ ترى طلبة نائمين بين حبال التوازن المشدودة بين الأشجار وبضعة أشخاص يعزفون على الجيتار وفريق الكويديتش المحلي يتدرب في الجزء الخلفي من الحديقة جنبًا إلى جنب مع فريق الطبق الطائر. إلا أن هذا المتنزه الترفيهي الذي كان في الأصل جزءًا من مقر إقامة الأمير الناخب كلِمِنس أوجوست له ماضٍ حافل بالأحداث. فلقد تحوَّلت المنطقة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بفترة قصيرة إلى معسكر انتقالي لأسرى الحرب المحررين. وعندما صارت بونّ مقرًا للحكومة الألمانية، تحوَّلت الحديقة إلى ساحة مظاهرات كما حدث في ١٩٦٨ احتجاجًا على قانون الطوارئ أو في بداية الثمانينيات احتجاجًا على قرار الناتو ذو المسار المزدوج. واليوم يتوافد الزوار على الحديقة للاستجمام أو التمشية. ويُقال أنها تُستَغَل ليلًا في تجارة المواد غير المشروعة. ولكني لا أظنهم يقصدون حلوى الدببة الشهيرة Gummibärchen بهذه المواد غير المشروعة. لأن حلوى "الجوميبِرشِن" مشروعة تمامًا ومتوفرة على أبعاد أمتار قليلة من حديقة هوفجارتِن في أول متجر لـ Haribo في ألمانيا. وكل الصغار يعرفون بالطبع أن حرفي "بو" في نهاية علامة "هاريبو" التجارية يرمزان لأول حرفين من اسم مدينة بونّ! (ملحوظة لغير سكان بونّ: اسم هاريبو مركب من أول حرفين من اسم مؤسسها، هانز ريجل، وأول حرفين من بونّ.
تخييم فاخر في مستودع
لقطة من مخيم بونّ الداخلي أو بايزكامپ، كما يُطلق عليه.
| © صورة (مقطع): | بايزكامپ
مستودع سابق في حي دوتِّندورف ببونّ يفتح أبوابه لكل من يستمتع بالإقامة في كارافانات ويصعب عليه في الوقت نفسه أن يعتاد على استخدام مواقد التخييم والحمامات المتنقلة في الخلاء والحياة العفوية في الطبيعة. يضم مخيم Basecamp الداخلي أكثر من عشرة كارافانات قديمة تم تجديدها وفقًا لتصاميم فاخرة فريدة من نوعها. ويمكن للمسافرين في مجموعات تأجير عربات النوم التي لم تعد تستخدم من قبل السكك الحديدية الألمانية. وعلى غرار الفنادق يقدم المخيم الإفطار كل صباح لما يصل لـ ١٢٠ نزيلًا على هيئة بوفيه مفتوح ويرتب لهم الأسرة أيضًا. كما تتوفر إمكانية إقامة حفلات الزفاف في المخيم إن لم يعترض العروسين على خلفيات الكاريبي المعلقة على الجدران.
السياسة من الماضي إلى الحاضر
لقطة لمنارات معرض ومتحف جمهورية ألمانيا بمدينة بون.
| صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ إيماچ بروكِر/ كارل فـ. شوفمانّ
ما من مكان يمكنك أن تعايش فيه تاريخ ألمانيا في فترة ما بعد الحرب وتشهده عن كثب كما في متحف Haus der Geschichte (بيت التاريخ) بمدينة بونّ. يعيدك المتحف خلال دقائق معدودة عشرات السنوات إلى الوراء بينما تتجول عبر عنبر شحن إحدى "قاذفات الزبيب"، كما كان يُطلَق آنذاك على المقاتلات الألمانية، وتمر بجوار كراسي البوندستاج الخضراء القابلة للطي من أيام الخمسينيات وتدخل سينما بُنيت على غرار دور العرض السينمائية الأولى وتشاهد مقدمة قصيرة عن الفيلم المحلي Grün ist die Heide (المروج خضراء). يمكنك أن تلمس بيدك حجر سور برلين وتستشعر برودته أو تتخذ طريقًا صاعدًا للقمر. يعد متحف هاوس دِر جِشيشتِه واحدًا من خمسة متاحف تشكل معًا "طريق المتاحف" ببونّ والذي يمتد بطول شارع بوندِسشتراسِه ٩ (ب٩)، حيث يبدأ بمتحف König للتاريخ الطبيعي ويليه متحف هاوس دِر جِشيشتِه التاريخي ثم متحف Kunstmuseum Bonn الفني ويليه معرض Bundeskunsthalle الفني وينتهي بمتحف Deutsches Museum للتكنولوجيا. وعلى الجهة الأخرى من شارع ب٩ يوجد مقر الأمم المتحدة بألمانيا. في بونّ تجتمع سياسة الماضي والحاضر في مكان واحد ولا يفصل بينها سوى شارع من أربع حارات.
ڤيڤا ڤيكتوريا!
لا لمركز التسوق! نجحت مبادرة ڤيڤا ڤيكتوريا في حشد الأصوات ضد مخططات بناء المركز التسوق. ويظهر في الصور ملصق كان معلقًا على جدار حمام سباحة ڤيكتوريا في عام ٢٠١٥.
| صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ أوليڤر برج/ وكالة الأنباء الألمانية
لو ما ألقيت مجرد نظرة عابرة على حي ڤيكتوريا لن يتكشَّف لك جماله، عليك أن تمعن النظر لتلاحظ بلاطات الفسيفساء الملونة التي تزين مداخل المتاجر ونافذة حمام سباحة ڤيكتوريا المغلق المصنوعة من الراتنج الاصطناعي. يضم حي ڤيكتوريا مبانِ تاريخية من الخمسينيات والستينيات ويربط وسط المدينة بحديقة هوفجارتِن. وكانت المدينة قد أعلنت قبل بضعة أعوام عن رغبتها في بيع جزء من هذه العقارات إلى مستثمر نمساوي يخطط لبناء مركز تسوق ومكتبة جامعة في هذا الموقع. صدم هذا الخبر كثير من سكان بونّ، فأطلقوا مبادرة بعنوان Viva Viktoria (فليحيا حي ڤيكتوريا) نادت بـالمحافظة على الحي بدلًا من استغلاله تحت شعار "المحافظة بدلًا من الاستغلال" ونظَّمت حفلات في الحي وأطلقت في أواخر عام ٢٠١٥ مبادرة شعبية نجحت بالفعل في إلغاء فكرة إنشاء مركز التسوق. ولكن مخططات التعمير والتجديد مازالت قائمة ولا تزال أبعادها غير واضحة.
ما بين برج الإسقاط وأطلال القلعة
إطلالة على قصر دراخِنبورج. هضبة دراخِن فِلز هي الوجهة المفضلة للزوار بين سلسلة مرتفعات زيبِن جِبيرجه.
| صورة (مقطع): © أدوبي
تنطلق القوارب من مدينة بونّ إما مع تيار الراين أو ضده. ولكل رحلة منهما معالم مختلفة تمامًا عن الأخرى. بينما يحد طريقنا في اتجاه مصب الراين مصانع كيماوية ومعمل لتكرير النفط ومنتزه Phantasialand، تقابلنا في الاتجاه المعاكس سلسلة مرتفعات Siebengebirge لتحل أطلال القلعة وإطلالات الراين الرومانسية محل المداخن وأبرج الإسقاط. وتعد هضبة Drachenfels فِلز الواقعة بين مدينة كونيجسڤينتر وبلدة باد هونِف والبالغ ارتفاعها ٣٢٠ مترًا هي الوجهة المفضلة للزوار. ويُقال أن هناك تنينًا اتخذ هذه الهضبة مقرًا له منذ قرون لإخافة سكان وادي الراين وإفزاعهم، وأنهم كانوا يقدمون له فتاة عذراء كل عام لاسترضائه إلى أن جاء زيجفريد (من ملحمة نيبِلونجِن) على حصانه وقتل الوحش واغتسل بدمائه. واختفت آثار هذه المعركة منذ ذلك الحين وأصبحت هضبة دراخِنفِلز مكانًا محببًا لرواد المؤتمرات ورسامي المناظر الطبيعية. يمكنك الوصول إليها بأقدم سكك حديد مسننة في ألمانيا أو على ظهر حمار ورؤية كاتدرائية كولونيا من أعلى لو كان الطقس ملائمًا.
مبنى مدرسة الكبار يتحول لمركز ثقافي متنوع
لقطة لمركز "ألتِه ڤِ ها إس" الثقافي اليساري الذي اتخذ من مبنى مدرسة الكبار السابقة مقرًا له
| صورة (مقطع): © ألتِه ڤِ ها إس
لم تعد مدرسة الكبار ببونّ مكانًا للحصص والمحاضرات التقليدية، إذ اتخذ مركز Alte VHS الثقافي، الذي تم تأسيسه من قبل جمعية Rhizom، من فصولها الفارغة مقرًا له. تُقام في المركز حلقات نقاش حول المراحل النهائية من مباردة التخلص من الوقود الأحفوري وورش عمل نسائية وجلسات غناء. كما يوفر هذا المركز الثقافي القائم على التبرعات والعمل التطوعي ورش عمل للطباعة بالشاشة الحريرية وملتقى لتبادل الأسطوانات وما يُسمى بـ "غرفة فوضى الأطفال" وكذلك دورات تدريبية متنوعة تمتد من يوجا الضحك إلى ملاكمة الركل أو الكيك بوكسينج.
من بِتهوڤن إلى المستشارين الاتحاديين
نصب فني أقيم بمناسبة مرور ٢٥٠ عامًا على ميلاد لودڤيج بتهوڤن، يظهر فيه تمثال الملحن وسط ٧٠٠ تمثال آخر له.
| صورة (مقطع): پيكتشر آليانز/ سڤن سيمون
ترتبط بونّ في أذهاننا بالموسيقار بِتهوڤن الذي تم تخليد ذكراه في ميدان مونستر پلاتس أمام هيئة البريد مباشرة. يقف تمثاله هناك على قاعدة رائعة ممسكًا بنوتة وقد ارتسمت على وجهه ملامح جادة وكأنه منهمكًا في تلحين سيمفونية. ويوجد له تمثال آخر أكثر حداثة في حديقة المدينة المحلية. كما خلدت قاعة الحفلات الموسيقية الواقعة على ضفاف نهر الراين اسمه، وتحتفي به المدينة كل عام من خلال الحفلات الموسيقية والفعاليات المتعددة التي تُقام في إطار مهرجان بِتهوڤن.
وهناك شخصيات أخرى شهيرة ترسم ملامح مدينة بونّ، من بينها سلسلة من المستشارين الاتحاديين. بعد الحرب العالمية الثانية وفي الفترة بين ١٩٤٩ و١٩٩٩ كانت بونّ مقرًا لحكومة ألمانيا الاتحادية ومحل إقامة لسبعة مستشارين اتحاديين. يوجد تمثال برونزي لأول مستشار اتحادي لألمانيا أمام المستشارية الاتحادية السابقة الواقعة في جادة أدِناور. وأين عساه يكون غير ذلك؟ ويمكننا أن نرى محطات حياته المختلفة محفورة على مؤخرة رأس التمثال. أما ڤيللي براندت، فمازالت ڤيلته قائمة في حي ڤِنوسبِرج. وكذلك خُلِدَت أسماء المستشارين، هلموت كول وهلموت شميت، في مدينة بونّ، وإن لم تحظ بنفس القدر من الشهرة؛ فهناك ميدان في شارع ب٩ يحمل اسم هلموت شميت، وأُطلق مؤخرًا اسم هلموت كول على امتداد الشارع المؤدي لهذا الميدان والذي يبلغ طوله ٤٠٠ متر.
أبرز أماكن السهر
إلى جانب إمكانية السهر في الحانات والبارات تتوفر في بونّ سبلًا أخرى للاحتفال في فصل الصيف، منها الحفلات الموسيقية والمهرجانات المقامة في الهواء الطلق، كمهرجان جرين جوس.
| صورة (مقطع): © ميشائيل زوندِرمان / بوندِسشتات بونّ
إلى جانب إمكانية السهر في الحانات والبارات تتوفر في بونّ سبلًا أخرى للاحتفال في فصل الصيف، منها الحفلات الموسيقية والمهرجانات المقامة في الهواء الطلق، كمهرجان جرين جوس.
| صورة (مقطع): © ميشائيل زوندِرمان / بوندِسشتات بونّ
ارتبط اسم بونّ على سبيل السخرية والشماتة بعبارة:Bundesstadt ohne nennenswertes Nachtleben (أي "مدينة اتحادية بلا حياة ليلية") وكأنه اختصارًا لها. وهذا يعود أيضًا إلى مقارنة حياة السهر في بونّ في كثير من الأحيان بحياة السهر في مدينة كولونيا المجاورة التي يفوق عدد سكانها مدينة بونّ بثلاثة أضعاف. إن قلة خيارات السهر في بونّ مريحة في حد ذاتها لأنها تشجعك على الخروج. فكثرة الخيارات تصيبك بالتردد وتجعلك في النهاية تؤثر البقاء في المنزل. بإمكانك أن تبدأ أمسية الجمعة باحتساء كوكتيل Mexikaner في حانة Babel ثم شراء "بيرة للطريق" (يطلقون عليها Wegbier وهي بيرة يتم شراؤها من الكشك أو Büdchen كما يُطلَق عليه في بونّ لاحتسائها في الطريق لحين الوصول للحانة أو الملهى التالي) من Aksoy بشارع فورجِبيرجس شتراسه ثم الرقص لعدة ساعات إما في ملهى Untergrund أو في ملهى Blow Up وربما في ديسكو Carpe. وعليك بالذهاب بعد ذلك لمطعم بيتزا Cala Dor لتشحن طاقتك من أجل آخر محطة في هذه الأمسية؛ حانة Die Wache التي لا تغلق أبوابها أبدًا.
زوايا المدينة
الحدائق المحصَّصة في برلين أم السباحة العارية في ميونخ؟ نستكشف لكم المدن الألمانية من منظور جديد. لن نكتفي برسم ملامح المدن الكلاسيكية، من أماكن ومجتمعات ومناسبات، بل سنضيف إليها ملامح جديدة من خلال هدم بعض الصور النمطية التي ارتبطت بها في أذهان الكثيرين.
٢٠٢٠ يناير