لبنان

٢٣.٠٢.٢٠٢٤

مدونو برليناله 2024  2 د "متل قصص الحب": محاولة لجيل يريد ألا ينساه التاريخ

مشهد من الفيلم الوثائقي "متل قصص الحب" ©Abbout Productions / GoGoGo Films

الفيلم الوثائقي "متل قصص الحب" للمخرجة ميريام الحاج يتتبع ثلاثة أبطال من طبقات اجتماعية مختلفة في لبنان على مدى عدة سنوات: من الحملة الانتخابية إلى الثورة، ومن الوباء الفيروسي إلى انفجار مرفأ بيروت.

سيتم عرض أعمال ميريام الحاج في قسم البانوراما في برليناله. عنوان الفيلم العربي هو "متل قصص الحب"، أما الإنجليزية فاختارت الحاج عنوانًا أبسط "حكايات من لبنان". التقيت بميريام في قاعة السينما للحديث حول فيلمها. 

كيف بدأت رحلة "متل قصص الحب" الطويلة؟ وكيف تطور الفيلم لصورته النهائية؟ 

في فيلمي الأول "هدنة" تعاملت مع شخصيات ارتبطت حياتها بالحرب الأهلية كان من بينهم عمّي، وهو ما جعلني أركز أكثر في مراقبة العالم حولي وملاحظة مصير كل من شارك في الحرب بعد سنوات من نهايتها. كانت داخلي رغبة في أن أحكي الموضوع بطريقة مختلفة، الأمر الذي قادني للتعرف على جورج مفرج، الرجل الذي كان له دور أساسي في الحرب الأهلية سيعرفه من يشاهد الفيلم لكنه دور لم يدوّن أبدًا لغياب التوثيق عن هذه المرحلة المفصلية من تاريخنا. 

بدأت التصوير مع جورج من عام 2018، وكنت أشعر بحدوث تغيير موازي في المجتمع اللبناني، بظهور جيل شاب يمارس السياسة ويرغب في دخول الانتخابات النيابية ضد نفس الوجوه المكررة التي تحكم البلد من نهاية الحرب. شعرت أن هناك تغيير يتعلق بالمستقبل قيد التحضير، بينما أنا منغمسة في تسجيل الماضي، مما دفعني لبدء التسجيل مع جومانا حداد التي كانت تلاعب السياسيين بترشحها في الانتخابات، لم تتوقع ولم يتوقع أي منّا أن تعلن النتائج فنجدها فازت ضد الوجوه القديمة، قبل أن تعود السلطة في اليوم التالي لتعلن أن إعادة فرز الأصوات غيّرت النتيجة وأنها قد خسرت الانتخابات التي فازت بها أمس. هذه اللحظة أدركت أن الأمور أصعب من تخيلاتي، وعرفت أن لدي فيلم يجب أن أنجزه. 
 
لكن الأحداث لم تتوقف عند هذا الحد.. اندلعت ثورة ثم جائحة ثم انفجار مرفأ بيروت. 

هذا الجميل في صنع الفيلم الوثائقي، أن تتطور الأفكار مع توالي الأحداث، ومع حدوث كل ما شهده لبنان خلال فترة تصوير الفيلم بين 2018 و2022، كنت أحاول أن أروي كيف أن جيلي لا يرى بديلًا عن تغيير الوجوه التي سأمنا منها. دخلت شخصية بيرلا جو معلولي مع اندلاع الثورة، واستمريت في مراقبتهم ومتابعة الأوضاع. 
 
المخرجة ميريام الحاج ومدون برليناله أحمد شوقي

المخرجة ميريام الحاج ومدون برليناله أحمد شوقي | ©أحمد شوقي


مع كل هذه الانعطافات غير المتوقعة في لبنان، هل شعرت في لحظة أنك لا تعرفين كيف يمكن أن ينتهي هذا الفيلم وأين يجب التوقف عن التصوير؟ 

بالتأكيد، كنت لا أملك إجابة عن سؤال متى سينتهي تصوير الفيلم. كنت متفائلة وأريد نهاية تعبر عن شعور جيلي، لكن عندما وقع الانفجار كدت أشعر بأنها النهاية، لكني لم أرد أن ينتهي فيلمي بأن أحلامنا قد ماتت. قررت أن أتوقف عن توجيه الأسئلة لنفسي، وأن أتتبع حدسي وألاحق ما تتعرض له الشخصيات من أحداث. صار الفيلم فيلمهم لدرجة أنهم صاروا يتصلون بي لإخباري بوقوع تطورات في حياتهم عليّ أن آتي لأصورها، لتصير صناعة الفيلم عملية جماعية. حتى قمت بتصوير مشهد في 2021 عرفت أنه سيكون نهاية الفيلم، لتبدأ هنا رحلة المونتاج الطويلة. 
 
كم كانت حجم المادة المصوّرة؟ 

كان لدي ما يفوق 300 ساعة صورتها للشخصيات والأحداث، قمت بمشاهدتها كاملة واخترت كمية كبيرة منها لتشاهدها المونتيرة أنيتا بيريز لنخوض رحلة بناء الفيلم. بنينا الخط الدرامي لكل شخصية من البداية للنهاية، لكن هذا لا يكفي لأن الخطوط مرتبطة ببعضها وبالوضع في البلد، قررنا الحكي بشكل كرونولوجي ننتقل فيه بين الشخصيات بحيث يرد حديثهم وحياتهم على بعضهم البعض، وهنا تكمن الصعوبة، في ألا يكون الأمر مجرد كلام وردود على الكلام، وإنها أن تسير الحكاية بشكل عضوي بين كل ما خاضه الأبطال الثلاثة من مشاعر متضاربة. 
شخصيات الفيلم تنقسم بين من يشاركونك الرؤية وبين من يختلفون كليًا عنك. ما هو أسلوبك للتعامل مع الشخصيات المختلفة عنك؟ 

أنا أحب البشر عمومًا ولذلك أصنع وثائقيات. أنت تقصد شخصية جورج، وهو بالفعل شخصية صعبة للغاية (ملاحظة المحرر: جورج شخص متورط في أعمال العنف خلال الحرب الأهلية اللبنانية). ثمّة قصص رواها كان من المستحيل أن يتضمنها الفيلم. لكن إن لم أتمكن من أن أرى الإنسان وراء هذه القصص لما كان من الممكن أن يكون شخصية في فيلمي. جورج إنسان تم استخدامه في الحرب، لا يعفيه هذا من مسؤوليته عمّا ارتكبه لكنه أيضًا ضحية بشكل ما، تم توظيفه في الحرب ثم تُرك جانبًا بعد أن فقد ساقه وصار فقيرًا وضاع مستقبله ولم يعد أحد ينتبه لوجوده. فهمت جورج لأنه يُذكّرني بعائلتي التي رويت قصتهم في فيلمي الأول، لأنني تمكنت من رؤيته كإنسان معقد التكوين وليس باللونين الأسود والأبيض فقط. 
 
أي محاولة لدفع جورج لتغيير رأيه قد تقضي عليه. 

طبعًا، لا أحاول أصلًا دفعه لتغيير رأيه. يستحيل أن يغيره وإلا سيجد نفسه مجبرًا على الانتحار. ما أحاوله هو فهم الشخصية، معرفة ما دفعه لحمل السلاح والنزول للشارع ليُطلق النار على مواطنين آخرين من وراء اقتناعه بفكرة ما يدافع عنها. بالمناسبة الثورة تشبه جورج لكن دون سلاح. شخصياتي الثلاث يجمعهم كونهم شغوفين بما يفعلونه، يريدون تغيير البلد لما يرونه الأفضل، لكن كل منهم يستخدم أداة مختلفة، مشروعة في حالتين ومُجرّمة في الثالثة. إذا لم أر هذا الشيء لا يمكن أن أصور الفيلم وفيه شخصيات أكرهها أو أراها ممثلة للشر. 
 
بعد كل ما حدث، هل لا تزالي مؤمنة بقدرة الأفلام على التأثير في هذا العالم المليء بالظلم؟ 

سأخبرك قصة. أختي لم تزر لبنان من فترة طويلة، عادت وجلست تشاهد التلفزيون، ثم قالت لي أنها عرفت سر فشل الثورة: أن السياسيين جالسون على الشاشات يتحدثون عن ثورة لم يقوموا بها، ويقيّمون ما فعله الشباب المخدوع من السفارات الأجنبية. لقد فاز السياسيون لأنهم تمكنوا من حكي القصة على طريقتهم، بعدما نزعوا منّا قدرتنا على الحكي. أداتنا الوحيدة حتى لا ينسى التاريخ ما عشناه هو أن نرويه. نصنع أفلام حتى لا يقول لنا أبناءنا في المستقبل أننا لم نحاول أن نفعل شيئًا.