في هذا المقال تتساءل ليڤِن كوين كيف يمكن لمحطات الطاقة النووية تحديدًا أن توفر حلولًا لكافة المشكلات؛ خاصة وأنه لم يتم إحراز أي تقدُّم في مجال حماية البيئة على مر العشر سنوات الماضية
حان الوقت لنعيد التفكير في الخيارات والحلول المتاحة أمامنا في معركتنا ضد تغيُّر المناخ. خاصة وأن أحدث تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة قد أشار أن الازدياد المستمر في نسبة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لا يزال يمثل خطرًا. كما أعلنت قواميس أُكسفورد مصطلح "حالة الطوارئ المناخية" باعتباره "مصطلح العام" في ٢٠١٩. وقد صار للعلماء وأصحاب الشركات فترة طويلة يبحثون عن أساليب فعَّالة وعملية لإبطاء عملية الاحتباس الحراري. وقد يكون تطوير تقنية نووية أكثر أمانًا إحدى هذه الأساليب.لماذا لم يتسنَ للطاقات البديلة الأخرى إنقاذ الكوكب بعد؟ الإجابة هي: لأن مساوءها كثيرة؛ فهي معتمدة على ظروف جوية لا يمكن السيطرة عليها. كما أن توليد الطاقة عبر هذه التقنيات لا يحقق الكفاءة المرجوة. إضافة إلى ارتفاع نسبة التلوث وانبعاثات الكربون جراء تصنيع ونقل وصيانة المعدات اللازمة لتوليد هذه الطاقات. وأخيرًا وليس آخرًا، لا تزال هذه التقنيات مكلفة للغاية مما يعوق تطبيقها على نطاق واسع في العديد من البلدان.
إخفاق بدلًا من نجاح
لم يتم إحراز أي تقدُّم في مجال حماية البيئة على مر العشر سنوات الماضية رغم الجهود الكثيرة التي بُذِلَت خلال تلك الفترة للسيطرة على التكلفة البيئية لحرق الوقود الأحفوري وباءت بالفشل. فالفحم وحده مسؤول عن موت ٨٠٠٠٠٠ شخص سنويًا ومازالت البحار في جميع أنحاء العالم تتعرض وبصفة منتظمة لكوارث نفطية مروعة.ولكنّ الطاقة النووية، من جهة أخرى، تُقابل في العديد من البلدان بالتشكك والرفض بسبب حوادثها المروعة التي لطَّخت سمعتها وتاريخها، بدءًا بحادثة جزيرة ثري مايل (أو كما يُطلَق عليها "جزيرة الثلاثة أميال") عام ١٩٧٩ ومرورًا بتشيرنوبيل عام ١٩٨٦ ووصولًا إلى حادثة فوكوشيما عام ٢٠١١. ورغم آلاف المبادرات البحثية التي بزغت منها أفكار جديدة، لم تساهم الحكومات منذ ربع قرن تقريبًا في النهوض جوهريًا بمحطات الطاقة النووية وذلك بسبب الضغط الذي تتعرَّض له من قبل الرأي العام. والعديد من محطات الطاقة النووية اليوم ليست مُصَممة بحيث يمكن التحكُّم بها إلكترونيًا. فلقد تم تصميم مفاعل تشيرنوبيل، على سبيل المثال، في أواخر الأربعينيات، بل وحتى تصميمات محطات الطاقة النووية الراهنة في الولايات المتحدة تعود للستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
انطلاقة جيدة
وخلال العقد الماضي حاولت شركة "تِرا پاور" لبيل جايتس أن تصمم مفاعلات نووية أكثر أمانًا. وبدأت عملها بتنبني فكرة للمخترع لويل وود تقضي باستخدام اليورانيوم المستنفد الذي لا يمكن استخدامه في القنابل الذرية بدلًا من استخدام اليورانيوم المخصَّب. وتلك كانت بالفعل انطلاقة جيدة، لأن هذا من شأنه أن يتيح إمكانية توليد الطاقة من خلال إعادة استخدام النفايات النووية الموجودة في محطات الطاقة القديمة بجميع أنحاء العالم والتي تصل إلى ٧٠٠ طن.بالإضافة إلى ذلك، يمكن لعمليات المحاكاة الحاسوبية المعقدة أن تساهم في تقليل الأخطاء البشرية في عملية التشغيل. كما أن استخدام المعدن السائل في تبريد المفاعلات نظرًا لارتفاع درجة غليانه عن المياه سيمكِّن المفاعل من التوقُّف في الوقت المناسب عن التشغيل في حالة حدوث خلل في النظام.
بدائل أخرى في الأفق
إننا لو ما أصيغنا للباحثين والعلماء سنتمكَّن من إنشاء محطات طاقة نووية أكثر أمانًا بطرق أخرى. ففي مقال نشره مؤخرًا فريق بحثي تعاون على مدى ٣٠ إلى ٤٠ عامًا تقدَّم كل من فرانشِسكو داوريا (جامعة بيزا، إيطاليا) ونيناد دِبرِسين (جامعةزغرب، كرواتيا) وهورست جلازِر (جمعية سلامة المحطات والمفاعلات النووية بألمانيا) بفكرة جديدة ليتم تطبيقها في مفاعلات الماء الخفيف كبيرة الحجم كحاجز سلامة وأمان. ويُفتَرض لهذا الفكرة أن تقلل من احتمالية الانصهار النووي لتقتصر على اصطدامه بنيزك كبير فقط!ولكن لسوء الحظ، عرقلت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين جهود شركة تِرا پاور للبدء في تنفيذ مشروع ريادي في الصين. وكانت الصين هي الدولة الوحيدة الراغبة والقادرة على تنفيذ هذا المشروع. ولا نعلف حتى الآن ما إن كان المشروع يمكنه أن يُنفَّذ في مكان آخر أم لا. ولا يمكننا في هذه الأثناء إلا أن نأمل أن تجد البشرية طريقًا للتخلُّص من النفايات النووية خارج كوكب الأرض وبالتالي حل آخر المشكلات المترتبة على استخدام الطاقة النووية.
"بوضوح ..."
تكتب ليوين تشين وماكسيميليان بودينبوم ودومينيك أوتيانجا وجيراسيموس بيكاس أسبوعيًا بالتبادل في عمودنا الصحفي تحت عنوان "للتوضيح ...". تدون تشين ملاحظاتها فيما يخص التقدم العلمي في مقال بعنوان "للتوضيح...ما بعد الانسان"، وكيفية تأثيره على حياتنا ومجتمعنا. إن كان ذلك في السيارة أو في المكتب أو في السوبر ماركت.
٢٠١٩ ديسمبر