المياه هي الحياة  5 د "الزراعة المائية" و"استخلاص الزيوت الطبية".. مبادرات تتحدى الحصار في غزة

امرأة ورجل يتفقدان الشتلات المزروعة باستخدام الزراعة المائية في مستنبت زجاجي.
المهندسان الزراعيان الشقيقان أبو دقة يراقبان الأشتال المزروعة بتقنية الزراعة المائية ©آفاق

يشعر المهندس عازم أبو دقّة بطاقة إيجابية، وهو يرى أوّل نجاحاته تشق طريقها نحو الأسواق المحلية، بعد تدشينه مشروعاً زراعياً واعداً في جنوب قطاع غزة، متحديًا كما حال الصيدلي فداء أبو عليان، واقع الحصار الإسرائيلي، وندرة فرص العمل لدى آلاف الخريجين الجامعيين في القطاع الساحلي.

مع بداية هذا العام، اتجه أبو دقّة وهو خريج هندسة زراعية، إلى زراعة ٣ آلاف شتلة "خس" داخل دفيئة زراعية بمساحة ٢٠٠ متر مربع، وهذه المرة عبر تقنية "الزراعة المائية"، نادرة الاستخدام في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتمكن المهندس أبو دقة برفقة شقيقته في ذات التخصص الجامعي، صفيّة أبو دقة، من تسويق أول الكميات المزروعة قبل شهر تقريبًا، بعد مجهودٍ بدأ العمل فيه "من الصفر" في شهر كانون ثاني/ يناير الماضي.

ومقابل هذا النجاح حصل على عائد مادي يشعر من خلاله بالرضا، ويطمح إلى التوسع في مشروعه أكثر في قادم الأيام، كما يقول أبو دقة. لقطة قريبة لنباتات تنمو في مستزرع مائي في مستنبت زجاجي. الزراعة المائية في دفيئة عازم أبو دقة في جنوب قطاع غزة | ©آفاق

  ميزات الزراعة المائية


ويوضح أن إنتاج المحصول بالمساحة المذكورة أعلاه، يوازي ما تنتجه قطعة أرض زراعية بمساحة دونم ونصف الدونم عبر نظام الزراعة التقليدية.

ولذلك من مميزات الزراعة المائية كما يفيد أبو دقة أنها توفر الوقت في انتظار حصاد المحصول بحدود مرتين ونصف المرة تقريبًا وتعطي إنتاجًا يبلغ ضعف إنتاج الزراعة التقليدية.

والزراعة المائية (الهيدروبونيك) تقنية حديثة في الزراعة تطبق في قطاع غزة، لا تحتاج الى تربة زراعية وتوفر ما يقارب ٩٠% من المياه مقارنة بما تحتاجها الزراعة التقليدية.

وبحسب ما يفيد اتحاد لجان العمل الزراعي عبر موقعهم الالكتروني، فإن هذه الطريقة مهمة في قطاع غزة الذي يعاني من ندرة وقلة المياه وانحسار وتناقص المساحة الزراعية، كما أن هذه التقنية في الزراعة من شأنها توفير غذاء أكثرَ وآمناً صحيا بحيث لا نحتاج في هذه الحالة اللجوء الى المبيدات الكيماوية والهرمونات الصناعية التي نحتاجها في معالجة التربة.

وتسير فكرة العمل في مشروع المهندسين أبو دقة من خلال تجهيز "استاند حديدي" ترتكز عليه أنابيب حديدية عريضة بطريقة مائلة تسمح بملامسة المياه لجذور النبات، الموضوعة داخل كاسات بلاستيكية مثقوبة مخصصة لاستقبال المياه والسماح بتمدد الجذور إلى الخارج.

بعد ذلك تجري دورة مائية مغلقة عبر ضخ المياه داخل الأنابيب الحديدية التي يوجد فيها "خط راجع" يتيح إعادة المياه المسحوبة إلى براميل الضخ مرة أخرى، وتجديد الأكسجين اللازم للنباتات.

وتابع المهندس أبو دقة قائلًا: "في هذا النظام لا نستخدم المبيدات الحشرية أو الأسمدة الكيماوية كما في الزراعة التقليدية، فلدينا عناصر طبيعية مغذية لتزويد الشتلات".

وخلال "الزراعة المائية" تتم زراعة أشتال الخس بدون أي وسط ترابي بحيث يجري تثبيت الشتلات داخل الأكياس البلاستيكية المثقوبة من خلال "صخور بركانية" تعمل على تثبيت الجذور وإضفاء الرطوبة على المكان، وفق أبو دقة.

ومن بين ثلاثة أنواع زراعية ترتكز عليها "الزراعة المائية"، يركز أبو دقة حاليًا على المحاصيل الورقية الصيفية كالخس، ومع نجاح تجربته الأولى، ينوي التوجه لزراعة المحاصيل الثمرية، في حين يرى أن المحاصيل الجذرية تحتاج إلى تقنيات أكبر، وبالتالي صعبة التطبيق قياسًا بالإمكانات المتوفرة بين يديه.

وفي تصريح سابق، أكدت وزارة الزراعة بغزة دعمها فكرة الزراعة المائية بغرض توفير المياه والأسمدة والمساحات المزروعة، في ظل الزحف العمراني الشديد، وزيادة الطلب على المياه والموارد مع تزايد أعداد السكان. امرأة ورجل يتفحصان الزراعة المائية عن كثب. الزراعة المائية في غزة | ©آفاق  

صعوبات


ولأن "كل بداية صعبة" كما يقول أبو دقة، يقر أن بدايات المشروع كانت "صعبة جدًا"، حيث بدأ من الصفر، لكنه يُثني على دعم أهله وأصدقائه وخبيرين استشارهما في فكرته.

ويضيف: "في البداية، بعض الأشياء لم استطع تحصيلها فهي غير متوفرة داخل غزة مثل الكاسات المثقوبة الجاهزة، وبالتالي لجأت إلى عملية تثقيب قرابة ٣ آلاف كاسة بشكل يدوي لزراعة أشتال الخس بالعدد ذاته"، واصفًا ذلك بالمهمة الشاقة.

ويوضح أن الزراعة المائية تتسم بتكاليفها التأسيسية المرتفعة في بداية المشروع مقارنة بالزراعة التقليدية، لكن ميزتها تظهر عند التشغيل لاحقًا من حيث قلة المصاريف والمياه والوقت والأيدي العاملة.

أيضًا يشير إلى معيقات أخرى مثل عدم توفر "النترات" المفيدة للنبات والتي تحظر إسرائيل إدخالها إلى القطاع، بحجة المنع الأمني.

ومشروع أبو دقة بحسب ما يفيد ممول حاليًا من مؤسسة التعاون الألماني BMZ بالشراكة مع مؤسسة إنقاذ الطفل الدولية وتنفيذ جمعية إنقاذ المستقبل الشبابي.

وتحرم إسرائيل منذ ١٣ عامًا آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة من السفر إلى الخارج لتسويق مبادراتهم أو مواكبة ما توصلت إليه التخصصات المختلفة من تطور، وفي الوقت ذاته تمنع دخول الخبراء والمختصين إلى القطاع لتأهيل أصحاب التخصصات خصوصا من خريجي الجامعات. المهندسان الزراعيان الشقيقان أبو دقة يراقبان الأشتال المزروعة بتقنية الزراعة المائية المهندسان الزراعيان الشقيقان أبو دقة يراقبان الأشتال المزروعة بتقنية الزراعة المائية | ©آفاق  

تحدي آخر


وليس بعيدًا عن عزيمة المهندسين أبو دقة، فقد تحدى أخصائي الطب المخبري فداء أبو عليان، المنع الإسرائيلي ونجح في صناعة جهاز محلي يعمل على استخلاص الزيوت من النباتات الطبية والعطرية.

ووقف المنع الإسرائيلي حائلًا أمام المحاولات المتكررة لخريج كلية الصيدلة لاستيراد أجهزة بسيطة من الخارج لاستخلاص الزيوت من البذور، مما دفعه إلى تطوير مهارات البحث المعمق عن الجهاز عبر الانترنت من حيث تركيبته وطريقة عمله، إلى أن نجح في استنساخ جهاز بديل بأدوات محلية.

بالتوازي مع ذلك، شرع في زراعة قطعة أرض ببعض الأعشاب والنباتات الطبية والعطرية، بنظام الزراعة العضوية الخالية من أية مواد كيميائية، وفي مرحلة لاحقة بدأ في استخلاص الزيوت من تلك الأعشاب.

ونجح أبو عليان في استخلاص الزيوت في معمله بنوعين: الأول استخلاص الزيوت من البذور والثاني استخلاص الزيوت من الأعشاب والأوراق، مثل زيت النعنع والخروع والزعتر والمرمية والبابونج والخس وحبة البركة واللوز وجل الصبار، وإضافة إلى أنواع أخرى كثيرة.

ويفتخر أبو عليان باستخلاص زيت السمسم الذي يكثر الطلب عليه في غزة للاستخدام كعلاج للأطفال ونزلات البرد. صورة لشتلات الخس تنمو في أحد بيوت الزراعة المحمية باستخدام تكتولوجيا الزراعة المائية. زراعة آلاف شتلات الخس حسب تقنية الزراعة المائية في غزة | ©آفاق  

فكرة أولية


ويؤكد أن هذا الجهاز مجرد فكرة أولية كمصنع لإنتاج الزيوت الطبية ويطمح إلى احتضانه وتطويره بحيث يخدم السكان في غزة، الغنية -كما يقول- بالنباتات الطبية والعطرية فجوها مناسب جدًا لزراعتها.

وبالعودة إلى المهندس أبو دقة فقد كان الدافع الأول لفكرة الزراعة المائية قناعته الراسخة، بأن كل شخص يجب أن يكون له شيئه الخاص الذي يتميز فيه عن غيره، وأن يكون منتجاً من المكان الذي يتواجد فيه، ومن هذا المنطق اهتدى إلى خيار فكرة الزراعة المائية بما يتماشى مع تخصصه الجامعي.

ويرى أبو دقة أن فكرة الزراعة المائية كما الزراعة الحضرية يمكن تعميمها بشكل أوسع في قطاع غزة، لكنها تحتاج إلى تخطيط سليم ووقت كافي.

غير أن ذلك يتطلب كما يؤكد أبو دقة احتضان مؤسساتي لمثل هكذا مشاريع، وقبل ذلك محاولة إقناع مزارعي النباتات التقليدية بالتحول إلى تقنية الزراعة المائية عبر التجارب الأولية والاحتضان والتدريب والتوعية.

أما أبو عليان، فينصح أبناء جيله من الشباب في غزة بعدم اليأس أو الاستسلام أمام هذا الواقع البائس، وأن يتركوا بصمات النجاح في محطات حياتهم، فبلادنا رغم كل الصعوبات "فيها خير كثير"، وفق تعبيره.

من الممكن ان يكون جديرا بالإهتمام

Failed to retrieve recommended articles. Please try again.