البحرين

٠٢.١٢.٢٠٢٠

طبعة خاصة: فيروس كورونا  4 د بالنسبة للبحرينيين، الثقة هي بمثابة لقاح ضد المعلومات المغلوطة سريعة الانتشار

صورة لرجل يحمل تابليت تظهر فيه مقالة بعنوان "أخبار مزيفة" ©memyselfaneye via Pixabay

عند حدوث الجائحات، كما في الحروب، تبدو الحقيقة هي الضحية الأولى. بالرغم من أن العالم واجه الجائحات والأوبئة لعدة قرون، فإنه لم يسبق وأن واجه أي منها في غمرة موجة تسونامي من المعلومات المغلوطة والتضليل ونظريات المؤامرة الحالية المتعلقة بكوفيد-١٩.

أتاح الدمج الثوري للصورة والصوت والفيديو والنص في الرسائل المجال لكم هائل من التواصل يصعب فيه تمييز المعلومات الصحيحة من الخاطئة. حيث تقدّم التقارير المغلوطة أو المبسّطة لكن المقنعة على نحو غريب، على أنها حقائق، ويعاد إنتاجها وتوزيعها بسهولة وبدون تفكير في شتى البلدان والقارات. إنها تساهم بشكل كبير في خلق المفاهيم، والتوقعات المليئة بالتحديات عند الناس، كذلك فإنها تربك مجتمعاتٍ برمتها.
 
ودفعت الفعالية الخطيرة لهذه الظاهرة بمنظمة الصحة العالمية (WHO) إلى صياغة مصطلح "إنفوديميك" للإشارة إلى الكم الهائل من المعلومات المضللة عن كوفيد-١٩. ولا يصعب التخفيف من وطأة المعلومات المضللة واسعة الانتشار "الإنفوديميك" فحسب؛ بل إنها تقوض أيضًا جميع الجهود المبذولة لاحتواء جائحة الفيروس بحد ذاتها.
 
لطالما شكلت الأمراض والخوف والمعلومات المغلوطة توليفة فعّالة. فعلى مر القرون عزى الناس معاناتهم إلى كل شيء من الشعوذة والعين الشريرة والشيطان، إلى الأرواح وغضب الآلهة والعقاب الإلهي. لئن تفتك الأمراض بالضحايا البريئين، تستهدف المعلومات المغلوطة المذنبين المزعومين، مما يفضي إلى عزلتهم أو إقصائهم أو حتى موتهم.
 
كذلك استهدفت نظريات كبش الفدى التي يتم تلفيقها لأسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية اليهود والمسيحيين والمسلمين والنساء والسود والآسيويين والأقليات والمنبوذين والفقراء المهمشين والمتجولين والأجانب والكثير غيرهم. إذ لم يسبق وأن كان هناك نقصٌ في المعلومات المغلوطة والمضللة – والانتشار المتعمد والعرضي للمعلومات الكاذبة – من قبل السلطات والجماعات والأشخاص الماكرين.
 
وبقيت أهداف التضليل ذاتها؛ فما حدث هو مجرد تعديل على الروايات لعكس سمات المرحلة. يقول جون د. لي في كتابه عام ٢٠١٤ "جائحة شائعات": "يعاد تدوير الروايات من وباءٍ إلى آخر، من دون إحداث أي تعديل على ثيماتها إنما على تفاصيلها الدقيقة الضرورية لربط الروايات بالأوضاع الراهنة."
 

الوجه المظلم "للابتكار"

 
دائمًا ما تسبب الكوارث والأزمات ألمًا ومعاناةٍ شديدين، وغالبًا ما ترافقها أضرارٌ مادية ومالية جسيمة. غير أن البعض يرى فيها فرصًا للإبداع والابتكار والفكاهة التي يمكن أن تساعد الناس في الأوقات العصيبة. إلا أن الوجه المظلم لهذا هو النظريات أو النكات أو الأكاذيب البحتة التي تذكي طرق التفكير الهدامة.
 
ويُستخدم بعض من هذا الإبداع في اختلاق القصص، وتأويل الوقائع، وتزييف الصور لدعم روايات معينة، مدفوعة بالنوايا الشريرة التي تستفيد من الأزمات والخوف والبلبلة، أو مستوحاة من أفكار تسلية مضللة أو شريرة.
 
جعلت "القفزة الأسية للتكنولوجيا"، والتي يُفترض أنها تهدف إلى جعل العالم مكانًا أفضل، تحريف الحقائق وابتكار القصص مهمةً يسيرة، جسيمة النتائج والآثار. فقد يخلق الناس عوالم أفكار خيالية بإمكانها إبطال الوقائع على الأرض او تحديد تأويل هذه الوقائع.
 
في الأشهر الأولى من سنة ٢٠٢٠، بينما أصبح العالم مدركًا كوفيد-١٩، تعرض الناس لوابل من الرسائل من شبكاتهم الشخصية – أقربائهم وأصدقائهم وزملائهم وجيرانهم – ومصادر معلومات خارجية – أطباء ومسؤولين حكوميين وخبراء ومشاهير، عندها توقفت المعلومات عن كونها مفيدة وخلقت بدلاً من ذلك غابةً من السهل أن تتوه فيها.

البحرين في مواجهة المعلومات المغلوطة

 
أدركت معظم البدان – باستثناء تلك التي رأى قادتها ما يلائم روايتهم الخاصة – أن إحدى العناصر الهامة لمكافحة المرض المتفشي هي محاربة الكم الهائل من المعلومات المغلوطة التي من شأنها إضعاف فرص التقليل من انتشاره إلى حين إيجاد لقاح له.
 
وكان من بين هذه البلدان البحرين، الجزيرة الصغيرة التي تبلغ مساحتها ٧٦٥ كم مربع، وسادس البلدان في العالم من حيث الكثافة السكانية. حيث تشكل هنا كثافة السكان وارتباطهم الوثيق بالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي (٩٩٪ نسبة انتشار الإنترنت و٨٤٪ نسبة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي)، خطرًا كبيرًا لانتشار "العدوى" الفيروسية والرقمية.
 
وصل القدر الأكبر من رسائل المعلومات المغلوطة إلى البحرين عبر الواتس آب، تطبيق الدردشة الأكثر استخدامًا في البلاد. وكان بعضها مرتبطًا بنزاعات سياسية أو طائفية، هيمنت على الشرق الأوسط لفترة طويلة.
 
وكان أكثر الرسائل إثارةً للقلق في ٢٦ شباط\فبراير، بعد يومين من اكتشاف أول حالة إصابة بفيروس كورونا لشخص قادم من رحلة دينية من إيران. حيث انتقدت رسائل الواتس آب البحرينيين الذين سافروا إلى إيران، متهمين إياهم باستيراد المرض وتعريض البحرين للخطر. فوفقًا للشرطة، تضمن ٣٠ حسابًا رسائل تحمل دلالات طائفية.
 
هذا وسعى ولي العهد سلمان بن محمد آل خليفة إلى نزع فتيل التوترات المتزايدة، التي أذكاها الخوف وسوء الفهم. حيث دعا إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية وشدد على أن "كوفيد-١٩ لا يفرق بين عرق أو دين أو أي انتماء فكري أو اجتماعي أو طائفة."
 
ومع هذا، استخدمت بعض الرسائل العنصرية في محاولاتها لخداع المستخدمين أو التأثير على سلوكهم. وادعت إحدى هذه الرسائل بأنه تم الكشف عن حالات كوفيد-١٩ في مدينة التنين، وهو مجمع تجاري ضخم يحمل طابعًا صينيًا، وبأن الشرطة قامت بحملات مداهمة على المحال التجارية التي تبيع الإكسسوار والديكور المنزلي والغذاء.
 
وفي حالة أخرى، نشرت وسائل التواصل الاجتماعي ادعاءً بأن مصابين بكوفيد-١٩ هربوا من مراكز الحجر وكانوا يتجولون بحرية في البلاد. كذلك نفى المعهد الوطني لحقوق الإنسان في تقرير أعده بعد القيام بزيارة ميدانية ادعاءً يفيد بإصابة العديد من السجناء بالفيروس.
 
كذلك احتجزت الشرطة شخصًا بعد أن نشر ادعاءات بأن كوفيد-١٩ هو كذبة كبيرة تمت فبركتها لسرقة أموال الناس. ووقعت مغنية معروفة في معضلة قانونية بعد أن قامت بنشر رسائل مثيرة للذعر عبر الواتس آب عن إصابة عمال توصيل البيتزا ووجبات الغذاء إلى المنازل بالمرض وعن الخطر الذي يسببونه.
 
وأخيرًا، كان هناك ادعاءاتٌ كاذبة تدّعي وجود تقارير "موثوقة" و"سرية" عن أصل الفيروس وطرق علاجه.
 

بلدٌ مترابط

 
في أوائل شهر فبراير، كانت البحرين قد شكلت فريق عمل مشترك بين الوزارات مخصص للتصدي لانتشار كوفيد-١٩ وتداعياته. وتضمنت استراتيجية هذا الفريق وسيلة إعلام كبيرة. بالإضافة إلى جهودهم العملية للحفاظ على سلامة السكان من الفيروس، سعى المسؤولون لمحاربة تهديد المعلومات المغلوطة التي استغلت الإدمان المحلي على المنصات الرقمية.
 
حذّر فريق العمل الناس ضد الادعاءات المغلوطة أو المضللة التي يصدرها الساعون وراء الشهرة، وأصحاب نظريات المؤامرة، والذين يدّعون معرفة كل شيء، وناشدتهم طلب المعلومات من المصادر الموثوقة فقط. كذلك أنشأت خطًا ساخنًا بسبع لغات لتقديم معلومات موثوقة لسكان البلاد الذين يبلغ عددهم ١,٧ مليون من أكثر من ١٤٠ دولة.
 
قدم فريق العمل في المؤتمرات الصحفية الدورية آخر المستجدات عن الوضع، وأصدر توضيحات ودعا إلى الإحساس العميق بالمسؤولية، مع تذكير الجميع بالآثار السلبية للإشاعات والادعاءات الكاذبة. كذلك أطلقت حملة "مجتمع واعي"، وهي حملة توعية متعددة اللغات، تم ربطها في شهر مارس بتطبيق تتبع أثر مخالطي المرضى. هذا وأشادت منظمة الصحة العالمية بالجهود التي تبذلها البحرين، بينما أعربت بعض الأصوات عن قلقها من "تطفل" التطبيق.
 
قامت وسائل الإعلام المرموقة بنشر هذه التوعية حيال أخطار المعلومات المغلوطة. إذ أدركت الجرائد اليومية والمجلات الشهرية والأسبوعية والقنوات الإذاعية والتلفزيونية في البحرين خطورة الوضع وظلت ملتزمة بطباعة وبث الأخبار والتقارير من مصادر موثوقة، بما فيها الحكومة والشرطة والخبراء من ذوي السمعة الحسنة.
 
ومن باب استبدال الإثارة الإعلامية بالحقائق، ذهب المراسلون إلى أماكن مثل مراكز العزل للتحدث شخصيًا مع أطباء الأمراض المعدية والباطنية وعلماء المكروبيولوجيا. وقدموا توضيحات علمية تساعد الناس في فهم الوضع وتفادي الوقوع في فخاخ المعلومات المغلوطة التي سعت لاستغلال مخاوفهم وشكوكهم.
 
ألقى القادة الدينيون، مصدر الإلهام للكثيرين في البحرين، خطبًا ساووا فيها الترويج للأكاذيب بمخالفة التعاليم الدينية.
 
كذلك تم توعية الناس بأن نشر المعلومات المغلوطة سيعتبر إخلالًا بالسلم الاجتماعي وستتم معاقبته بغرامات كبيرة أو حتى السجن. تحركت الشرطة على الفور لتعرية الأكاذيب وإنكارها على الملأ، كشائعة مدينة التنين. وفي حين أن مسألة حرية الصحافة والإنترنت في البحرين هي موضع نقد متكرر من قبل المنظمات غير الحكومية العالمية، فإن الإجراءات الحاسمة ضد المعلومات المغلوطة جنّبت البلاد الدخول في دوامة من الخوف في ظل حالة الطوارئ هذه.
 
ساهمت حملة "مجتمع واعي" في البحرين، والرسائل الواضحة من الدولة والمؤسسات الخاصة، والتحذيرات الصارمة من المسيئين مجتمعة بإضعاف قوة الأخبار الكاذبة ونظريات المؤامرة وتأثيرها، والتي عادةً ما تنتشر كالنار في الهشيم في الشرق الأوسط. بوضعها ثقتها بالعلم والخبراء، نأمل أن البحرين ستبقى سدًا منيعًا ضد المعلومات المغلوطة والمضللة بجميع أشكالها.

من الممكن ان يكون جديرا بالإهتمام

Failed to retrieve recommended articles. Please try again.