لبنان

١٦.١٢.٢٠٢٠

طبعة خاصة: فيروس كورونا  4 د كيف يعيق فيروس كورونا وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى مجالات الحياة الحيوية؟

صورة لملصق يتضمن كتابات باللغة العربية وعلامة كرسي متحرك، ولغة البريل ولغة الإشارة ©فراس حميه

يعتبر الأشخاص ذوو الإعاقة، والأطفال، والنساء، والعجّز، من الفئات الأكثر تعرضًا للخطر والضرر والعنف والإهمال والتمييز والوصم الاجتماعي أثناء الحروب وأوقات الأزمات والكوارث الطبيعية وانتشار الأوبئة والجراثيم وغيرها. على أن التصدي لذلك يحتاج إلى خطط فعالة تستجيب لمتطلبات الفئات كافة على وجه العموم وإلى الأشخاص ذوي الإعاقة على وجه الخصوص. فهل كانت الخطط الحكومية في لبنان لمواجهة تأثيرات فيروس كورونا على قدر الآمال والتوقعات؟

"إن خطة لبنان لمواجهة فيروس "كورونا" أهملت الأشخاص ذوي الإعاقة، الذين لم يحصلوا على الرعاية الصحية والتعلم عن بعد وغيرها من الخدمات بشكل متساوٍ لمواجهة الأزمة"، قالت "هيومن رايتس ووتش"(منظمة مراقبة حقوق الإنسان). وفي حديث مع رئيسة "الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا في لبنان" سيلفانا اللقيس أفادت أن الدولة اللبنانية أهملت الأشخاص ذوي الإعاقة في خططها، الذين لم يحصلوا على المعلومات المتعلقة بالفيروس أو يؤخَذ برأيهم عندما وضعت الحكومة خطة الطوارئ.

وأشارت إلى أن "مبادرات فردية ومنظمات دولية مثل "اليونيسف" أنتجت بعض المواد حول فيروس كورونا يمكن للأشخاص ذوي الإعاقة الوصول إليها. وأضافت أن هناك غياباً للحملات الحكومية التي تستهدف الأشخاص المعوقين على التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي.
 

المركز والأطراف

تلعب الفروقات الجغرافية لتواجد الأشخاص المعوقين دورًا أساسيًا في مفاقمة المشكلة، خاصة في ظل تمركز الخدمات في العاصمة بيروت، بينما تغيب أو تضمحل الخدمات في مناطق الأطراف في بعلبك والبقاع والجنوب والشمال وعلى مقربة من الشريط الحدودي مع سوريا، وفي القرى النائية حيث تكاد تكون الخدمات معدومة.

وبعد انفجار بيروت تحولت غالبية الخدمات من مناطق الأطراف إلى العاصمة بيروت مما زاد من عزلة الأشخاص المعوقين وحرمانهم من الخدمات التي كانت تقدمها المؤسسات والجمعيات والمنظمات غير الحكومية. وتوجهت كل هذه الخدمات بثقلها لنجدة مصابي ومتضرري انفجار الرابع من آب في بيروت، مما خلق نوعًا من التفاوت في التوزيع.

في الحجر المنزلي

 إن ١٥ بالمئة من المتواجدين على الأراضي اللبنانية هم من الأشخاص المعوقين، حسب ما تقول سيلفانا اللقيس. هؤلاء الأشخاص يجدون صعوبات في التنقل من منازلهم من أجل التبضع والتموين أو لإحضار الأدوية، أو بسبب الحاجة الماسة للطبابة أو لعلاجات ضرورية، خاصة وأن الشرطة بدأت بتسطير المحاضر بحق كل من يخالف الإجراءات الحكومية دون الأخذ بعين الاعتبار أوضاع الأشخاص المعوقين مما أدى إلى تضييق الخناق عليهم في تلبية حاجياتهم والتنقل من مكان إلى مكان لدواع ضرورية.

هذا، ويعتمد الأشخاص ذوو الإعاقة بنسبة كبيرة على الخدمات الاجتماعية التي يؤمنها المجتمع المحلي والمنظمات غير الحكومية في لبنان لتلبية احتياجاتهم اليومية الأساسية. وبرزت مخاوف حول انقطاع هذه الخدمات مترافقة مع الإجراءات التي تتطلب العزل الذاتي والحجر الصحي في لبنان مما يزيد نسبة تعرض ذوي الإعاقة للقلق والاكتئاب والضيق والكآبة والإحباط في الوقت الذي تتضاءل فيه برامج الصحة النفسية والدعم النفس-اجتماعي المختص والمعونات المالية.

في العمل

يعتمد لبنان على الهبات والتبرعات والمكرمات من الخارج، فيما يعتمد الأشخاص المعوقون على مساعدات ومساهمات المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات محلية ودولية مختلفة تعمل في قطاعات عدة كتأمين المعدات الطبية والأدوية ومازوت التدفئة والمعينات الحركية وغيرها من التقديمات الحيوية.

يعمل نسبة كبيرة من الأشخاص المعوقين كمياومين، وليس لديهم وظائف ورواتب ثابتة يتقاضونها في نهاية كل شهر. بالإضافة إلى أن نسب البطالة بين الأشخاص المعوقين مرتفعة جدًا، والعاملون منهم يتقاضون أجورهم على أساس "اليومية" ومنهم من لديهم شغل خاص صغير وليس عندهم وظائف ورواتب ثابتة.

قبل الكارثة كان الأشخاص المعوقون مهملين من قبل الدولة اللبنانية، إذ كانوا على هامش المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأما أثناء الكارثة "فحدث ولا حرج"، فالأشخاص المعوقون، وبنسبة كبيرة، يعانون من إهمال مفرط فيما خص الوظائف والمساواة في الأجور والرواتب والتقديمات الاجتماعية.
 


لكن ما هي أشغالهم في لبنان؟ محل صغير لبيع القهوة على الطرقات يسمى "إكسبرس"، أو بيع بطاقات تشريج الهاتف الخليوي من داخل منزلهم أو دكاكين السمانة، أو يعملون كأجراء في المحال التجارية وغيرها من الأعمال اليومية أو اليدوية والمهن والحرف الخاصة دون وجود أي ضمانات للعمل الثابت أو التعويضات المعيشية. وطبعًا برواتب منخفضة لا تصل إلى الحد الأدنى للأجور ما يشكل خروقات فاضحة لقانون العمل اللبناني الذي ينص على "الحد الأدنى للأجور" ويحدده ويلزم المؤسسات الخاصة والرسمية بدمجهم في العمل.

فقانون العمل يحدد الحد الأدنى للأجور بـ ٦٧٥ ألف ليرة لبنانية، ويعتبر هذا الرقم منخفضًا جدًا مقارنة بالأسعار الباهظة في لبنان، دون أن نغفل ارتفاع سعر صرف الدولار منذ عشرة أشهر وحتى اليوم، مما جعل الأسعار ترتفع بنسبة تفوق ٧٠ بالمئة. وفي عام ٢٠٠٠ أقر لبنان قانونًا خاصًا بدمج الأشخاص المعوقين في كافة المجالات، لكن وحتى اليوم، وبعد مرور عشرين عامًا على صدور القانون ٢٢٠/٢٠٠٠ لم تصدر المراسيم التطبيقية لهذا القانون، ولم يوضع موضع التنفيذ. وحسب الإحصاءات فإن نسبة ٨١ بالمئة من الأشخاص المعوقين يعانون من البطالة، قبل ظهور فيروس كوفيد-١٩!
 

التعليم عن بعد!

تبدأ المعوقات من عدم تخصيص مناهج محددة تتناسب مع أنواع الإعاقات المختلفة، كذوي الإعاقة السمعية وذوي الإعاقة البصرية وذوي الإعاقة النطقية، ومع كل ما يحتاجه الطلاب من وسائل إيضاحية، وتعليم بالتجربة والمشاركة، وصولًا إلى ترافق عملية التعليم مع احتياجات طبية منها العلاجات الفيزيائية وعلاجات النطق (والتأتأة وغيرها) وعلاجات السمع والعلاجات الانشغالية والعلاجات الحسية الحركية وغيرها من العلاجات التأهيلية.
 


وفي حديثي مع عامر مكارم، مدير "جمعية الشبيبة للمكفوفين" علق بالقول: “إن الصفوف والدروس عبر الإنترنت، وخاصة الصور والفيديوهات، غالبًا ما تكون غير متاحة للأطفال من ذوي الإعاقة البصرية". وأضاف إلى أن هناك معاناة لدى الأشخاص المكفوفين الذين يستخدمون أيديهم في ممارسة أعمالهم اليومية أكثر من أي شخص أخر، مما يزيد من انتقال الفيروس عبر اللمس، وعدم القدرة على الالتزام بالتباعد الاجتماعي. وأما بخصوص الطلاب الصم فيرى بأن التعليم عن بعد صعب ومليء بالتحديات، فالمعلم بحاجة لبرامج مختصة للترجمة، وكذلك عليه استخدام لغة الإشارة مع ما يرافق ذلك من صعوبات متعددة.

يمر لبنان بأزمة مالية جعلت الأجهزة الإلكترونية كالهواتف واللابتوبات والأيبادات باهظة الثمن. وفي حديثي مع السيدة صونيا الخوري، مديرة وحدة التعليم الشامل في وزارة التربية قالت: "إن غياب الأجهزة الإلكترونية خاصة في الأسر الكبيرة حيث يتواجد أكثر من طفل في المدرسة، والبنى التحتية الرديئة من ضعف في خدمات الكهرباء والإنترنت، تشكل تحديات أمام وزارة التربية والتعليم حيث لا توجد إمكانية لدى الوزارة لحل كل مشاكل الدولة اللبنانية".

في الصحة

إن عدم ممارسة الأطفال حياتهم ونشاطاتهم الحركية اليومية بشكل طبيعي بسبب الإعاقة التي يعانون منها، كفيل بإضعاف مناعتهم، فهم للأسف لا يقومون بنشاطات بدنية وترفيهية تسهم بتنشيط الدورة الدموية لديهم كالسباحة والرياضة والموسيقى والفنون كافة، وينعكس ذلك تدهورًا في الصحة النفسية بسبب حرمانهم من الروتين اليومي الاعتيادي وحالة العزلة التي فرضها انتشار الوباء. كما أدى ذلك إلى بروز سلوكيات غير سليمة كالعدوانية والغضب وسرعة الانفعال بسبب وجود الأطفال ذوي الإعاقة داخل المنزل بين أربعة جدران ، وبسبب ضيق المساحات وعدم قدرة الأهالي على تعويض المجال الحيوي الذي تلعبه المدرسة.

يسبب جهاز المناعة الضعيف مشاكل صحية لدى الشخص المعوّق بحسب درجة ونوع الإعاقة. وبحسب سيلفانا اللقيس فإن الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين يتلقى عددًا كبيرًا من الاتصالات من أشخاص ذوي إعاقة يطلبون الأدوية الضرورية ويواجهون صعوبة في إيجاد أجهزة تنفس يحتاجونها. وأشارت إلى أن "مراكز الحجر الصحي غير مجهزة لذوي الإعاقة من الناحية الهندسية، وكذلك المستشفيات التي لا تستطيع أن تؤمن خدمة خاصة ومتميزة للشخص المعوق كونه أكثر هشاشة، وفي حال بقي الشخص المعوق المصاب بالكورونا في منزله فإنه ربما يكون في حاجة لعناية شخص أو شخصين من أسرته مما يعني نقل العدوى لأفراد أسرته".

وأما غوى يزبك، ٢٨ سنة، فتاة من ذوي الإعاقة لديها "قصر قامة" فقد شاركتنا تجربتها مع الإصابة بمرض الكورونا وقالت: "مناعتي ضعيفة ولدي رئة صغيرة، وصرت بحاجة لاتخاذ تدابير وقائية مشددة لدرجة الوسوسة والخوف، ولكن مع ذلك تعرضت للإصابة أثناء عملي الميداني كعاملة اجتماعية". وأضافت "كانت تجربة مؤلمة جدًا وكنت على وشك أن أفارق الحياة لأن الفيروس كان شديد الوطأة".
 

بين الكورونا والجوع!

"زوجي لديه ماكينة لبيع القهوة والشاي (إكسبرس) لكن السلطات أجبرته على إغلاقها وبالتالي فقدنا مصدر رزقنا ومصروفنا، لا بل أن السلطات قامت بتسطير محضر مخالفة يبلغ ٥٠٠ ألف ليرة لبنانية لأن زوجي لم يلتزم بالإغلاق، لكن ليس هناك حلول بديلة أمامنا، فماذا نفعل بين الموت من الكورونا أو الموت جوعًا؟". وتضيف، زينب وحود، ٣٠ سنة، وتعاني من إعاقة حركية: "الوضع صعب خاصة وأنني زوجة وأم لطفل يبلغ من العمر سنة واحدة، كذلك فزوجي شخص لديه إعاقة حركية، مما يضعنا أمام تحديات صعبة كأسرة".

وتجدر الإشارة هنا إلى أن فيروس كورونا يشكل نقطة كارثية في بيئات مثل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، حيث يعيش الناس في تقارب شديد ويفتقرون إلى الخدمات الأساسية، وحيث يواجه الأشخاص المعوقون اللاجئون على الأراضي اللبنانية عقبات كبيرة في الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل المأوى، والمياه، والصرف الصحي، والرعاية الطبية وغيرها من الخدمات الحياتية الحيوية.

وفي ظل تضخم الأسعار الجنوني، برزت معضلة ذات أهمية قصوى تتعلق بدفع إيجار المنازل والمحلات أو إيجار الخيم في مخيمات النازحين السوريين مما سيعرض الآلاف من الأشخاص المعوقين وعائلاتهم لضغوط وإشكالات مع مالكي المساكن. وقد حصلت اجتماعات في أغلب المحافظات والأقضية، ضمت المعنيين ورؤساء البلديات ومسؤولين من الوزارات المعنية وتقرر توزيع معونات تموينية أو مبلغ مالي يبلغ ٤٠٠ ألف ليرة لبنانية أي ما يقارب ٥٠ دولارًا، لكن الحاجات تفوق بكثير ما هو مقدم من قبل الدولة. ولم تلحظ التقديمات بشكل خاص الأسر التي تضم أشخاصاً معوقين. واستثني منها الأشخاص المعوقين من بقية الجنسيات.

من الممكن ان يكون جديرا بالإهتمام

Failed to retrieve recommended articles. Please try again.