المغرب

٠١.١٢.٢٠١٩

المياه هي الحياة  5 د المغرب ومشكلة ندرة المياه

لقطة قريبة لمجموعة من الأشخاص يرفعون لوحة تتضمن صورًا لأشخاص وكتابات بالعربية، يتظاهرون من أجل حقهم في الماء. ©الهام الطالبي

في عام ٢٠١٧ خرج سكان زاكورة الواقعة جنوب المغرب للاحتجاج، مطالبين بحقهم في الاستفادة من الماء الصالح للشرب، واعتقلت السلطات المغربية حينها ٢٣ مشاركاً في ما بات يعرف "بثورة العطش". ولايزال سكان منطقة زاكورة ونواحيها يعانون من تداعيات ندرة المياه.

هذا ما دفع نشطاء بيئيين في المنطقة إلى تكثيف جهودهم للضغط على الدولة المغربية لتتخذ اجراءات وتدابير لحل أزمة العطش، وتقنين زراعة البطيخ الأحمر التي تستهلك كميات كبيرة من الماء في منطقة جافة وشبه صحراوية يعاني سكانها من العطش.

"أمضي ساعات أمام هذا البئر الصغير، من أجل بعض اللترات من الماء، تعينني بالكاد على الشرب... لم أعد أفكر في الاستحمام، لقد أصبح حلما بالنسبة لي ولأطفالي" هكذا تصف عائشة ربة بيت تبلغ ٤٥ عاما، معاناتها مع أزمة الماء.

ندرة المياه تؤرق سكان مدينة زاكورة، الواقعة عند خاصرة المغرب في الجنوب الشرقي بمحاذاة الحدود مع الجزائر. تضيف عائشة التي تعيش في "حي العطشان" بمدينة زاكورة في حديثها لمجلة "رؤية": "نقف أمام الآبار وننتظر لساعات طويلة خصوصا في فصل الصيف، تتضاعف معاناتنا، ولا نجد الماء للشرب أو للتنظيف، ما أدى إلى اصابة أطفالنا بأمراض".

نساء وأطفال يقاومون العطش


هاجر أغلب الرجال – في مدينة زاكورة للبحث عن فرص العمل في المدن بسبب الجفاف والتصحر، تاركين خلفهم نساءً وأطفالًا يقاومون العطش. تقول فاطمة ، وهي امرأة تبلغ ٦٠ عامًا تعيش في "حي العطشان" بمنطقة زاكورة : "رجالنا هاجروا للبحث عن لقمة العيش، ونحن النساء علينا أن نتحمل ارتفاع درجة الحرارة والعطش، لا نفكر في أي شيء أخر سوى الماء إنه كل شيء بالنسبة لنا....- نتصارع كل يوم لأجله."

وفي عام ٢٠١٧ اندلعت أولى شرارة "ثورة العطش" في منطقة زاكورة من حي العطشان، وخرج السكان للمطالبة بحقهم في الاستفادة من الماء الصالح للشرب، ما أسفر عن اعتقال ما يقارب ٢٣ مشاركًا، وقامت النيابة العامة بملاحقتهم بتهمة "التجمهر والانخراط في مسيرة غير مرخص لها".
 
  • لقطة قريبة لمجموعة من الأشخاص يحملون لوحة تتضمن صورًا لأشخاص وكتابات بالعربية، يتظاهرون من أجل حقهم في الماء. ©الهام الطالبي
    في عام ٢٠١٧، سكان زاكورة يحتجون مطالبين بحقهم في المياه.
  • مجموعة من الناس يحتجون في الشارع. ©الهام الطالبي
    السلطات المغربية اعتقلت ٢٣ مشاركًا في ثورة العطش في زاكورة

التغيرات المناخية


وفي مقابل أزمة العطش التي تعاني منها منطقة زاكورة والقرى المجاورة لها، تعمل جمعية "أصدقاء البيئة زاكورة" على إيجاد حلول بيئية تساهم في تمكين السكان من الحصول على المياه الصالحة للشرب.

وفي ذات الصدد يقول رئيس "جمعية اصدقاء البيئة زاكورة" جمال اقشباب: "نظمنا ندوات وأياماً دراسية لمناقشة أزمة العطش، توجت بتوصيات وأفكار ورؤى تم توجيهها الى كل المعنيين، وعملنا على توعية السكان بأهمية ترشيد استعمال الماء، وراسلنا المسؤولين لتحذيرهم من تداعيات الأزمة على الإنسان والحيوانات والأرض في المنطقة."
 
وعقدت جمعية أصدقاء البيئة – في زاكورة مجموعة من اللقاءات، توضح للسكان والمسؤولين تداعيات التغيرات المناخية على المنطقة.

ويضيف جمال أقشباب في حواره مع "رؤية" : "إن أهم مظاهر التغيرات المناخية التي تشهدها المنطقة، ارتفاع قياسي في درجات الحرارة وقلة التساقطات المطرية وارتفاع نسب التصحر وملوحة التربة وخطر الفيضانات الموسمية."

سوء تدبير الماء


ويعتبر أقشباب أن من بين أسباب ندرة المياه في المنطقة الضغط الديمغرافي على الموارد المائية وسوء تدبير وترشيد استعمال الماء، لافتا إلى أن هناك غياب رؤية واستراتيجية مائية من طرف الدولة لوضع مخطط مستقبلي لمواجهة التحديات المائية وتحقيق اﻻمن المائي.

ويتابع أقشباب: "هناك ضعف كبير في الاستثمار بالمنشآت المائية بالإضافة إلى تبني فلاحة غير مستدامة وغير مندمجة ما أدى إلى اندلاع احتجاجات في اقليم زاكورة سنة ٢٠١٧."

وحذر العاهل المغربي محمد السادس المسؤولين على الشأن المائي من أزمة الماء، وأعطى توجيهاته وتعليماته للمسؤولين لتشكيل خلية لمعالجة الوضع وتوفير الماء الصالح للشرب للجميع.

وتعتبر جمعية أصدقاء البيئة أن الوضع ازداد تأزمًا، وامتدت أزمة العطش لتشمل مناطق في شمال ووسط المغرب.
الهام الطالبي
 

زراعة البطيخ الأحمر في مدينة العطش


في الوقت الذي يعاني سكان مدينة زاكورة من العطش وندرة التساقطات المطرية، تُعرف المنطقة الجافة وشبه الصحراوية بزراعة بطيخ أحمر طازج وحلو المذاق حيث تدعو الحاجة إلى استهلاك كميات كبيرة من المياه.

وفي السياق ذاته يضيف جمال أقشباب: "إن موجة العطش التي يعرفها الإقليم ناجمة عن زراعة البطيخ، ومنذ ١٠ سنوات والإقليم يعاني من هذه الزراعة التي تستهلك كميات كبيرة من المياه الجوفية."

 وكانت جمعية أصدقاء البيئة زاكورة قد وجهت عدة نداءات إلى السلطات من أجل وقف معاناة السكان وتقنين زراعة البطيخ الأحمر.
 

استنزاف المياه الصالحة للشرب


وكشفت الجمعية عن أرقام بخصوص مساحات زراعة البطيخ في الإقليم، مشيرة إلى أن الإنتاج فاق كل التوقعات هذه السنة، وأن عدد الهكتارات المخصصة لهذه الزراعة في الإقليم فاق ٢٤ ألف هكتار واﻻنتاج فاق ١ مليون طن، مضيفة أن هذه الزراعة استنزفت أزيد من ٣٠ مليون متر مكعب من المياه الجوفية، مصدر الماء الصالح للشرب.

في أيّار/مايو من كل عام، تسبق زاكورة كل المواسم المعتادة لجني البطيخ في الأسواق بالمغرب، وتقدم للسوق المغربية والأوروبية بطيخا أحمر مُكوّناً من ٩٢ في المئة من الماء.
 
ولا تتعدّى مدّة هطول الأمطار في منطقة زاكورة يومين إلى ٣ أيام طيلة موسم فلاّحي، بمتوسط سنوي لا يتجاوز ٦١ ميلمتراً.

وأكدت جمعية أصدقاء البيئة أنها حذرت مرارا من مخاطر زراعة البطيخ الأحمر في منطقة تدعى فايجة التي تعتبر مصدر الماء الصالح للشرب، بيد أنه لم يتم أخذ هذه التحذيرات بعين الاعتبار، ما أدى إلى جفاف الابار في هذه المنطقة وتضاعف معاناة الأهالي مع العطش.
  • صورة لطبيعة قاحلة وفي الأمامية تظهر حقول مزروعة بالبطيخ الأحمر . ©الهام الطالبي
    زراعة البطيخ الأحمر في منطقة زاكورة تستنزف كميات كبيرة من المياه الجوفية
  • قناة نهرية جافة. ©الهام الطالبي
    من بين التغيرات المناخية في منطقة زاكورة التصحر والجفاف
  • نساء وأطفال ورجال في منطقة قاحلة يملؤون زجاجاتهم من أحد الآبار. ©الهام الطالبي
    النساء والأطفال يقفون لساعات طويلة أمام الآبار للحصول على بضع لترات من المياه
  • مجموعة من سبعة أشخاص يديرون ظهورهم للكاميرا، يصعدون هضبة جرداء يحملون دلاء في أيديهم  . ©الهام الطالبي
    يعاني سكان زاكورة من العطش المضاعف خلال فترة الصيف
 

مطالب بحماية مستقبل الانسان


وأشارت جمعية أصدقاء البيئة إلى أنها بذلت مجهودات كبيرة للحد من زراعة البطيخ وتقنينها من خلال مجموعة من الندوات والأيام الدراسية، إضافة إلى مرافعات على مستويات عدة.

وعبرت جمعية أصدقاء البيئة عن أسفها الشديد لعدم أخذ توصيات وأفكار الجمعية في هذا الموضوع بعين الاعتبار، مطالبة "بالتدخل لحماية الموارد المائية – في الواحات من الاستنزاف والاستغلال المفرط بفعل تنامي زراعة البطيخ الاحمر حماية لمستقبل الانسان - في الواحات".

وراسل صالح بقاس، وهو ناشط بيئي في منطقة زاكورة، المسؤولين حول أزمة المياه، ونشر مقالات تحذر من زراعة البطيخ الأحمر وتأثيرها على الفرشة المائية، وفي ذات السياق يقول في حديثه مع "رؤية ": "طالبنا ولازلنا نطالب بتقنين زراعة البطيخ الأحمر، الذي يتسبب في تفاقم أزمة العطش في المنطقة ولا- نزال ننتظر استجابة الدولة لمطالبنا."

"زراعة البطيخ تضر بالبيئة والأرض والإنسان"


ويضيف المتحدث ذاته : "بسبب زراعة البطيخ الاحمر الذي يصدر لدول اوروبا، لم يعد سكان بعض المناطق في زاكورة ونواحيها يجدون الماء الصالح للشرب...إن زراعة البطيخ تضر بالبيئة والأرض والإنسان."
ويعتبر صلاح بقاس أن السلطات لا تستطيع تقنين زراعة البطيخ، برغم - أن المجتمع المدني نشيط ويحتج لكن لا احد يستجيب، وزراعة البطيخ ما زالت تتمدد لتصل إلى منطقة طاطا الواقعة في الجنوب الشرقي للمغرب.
 

اجراءات الدولة لحل أزمة العطش

دفع ضغط النشطاء البيئيين في منطقة زاكورة على الجهات المسؤولة، الدولة المغربية إلى اتخاذ بعض الاجراءات لحل أزمة العطش، من بينها دعم التنقيب عن المياه الجوفية، وإنجاز المصالح المركزية لقطاع الماء بالتعاون مع وكالة الحوض المائي لسوس ماسة ودرعة لما يربو عن ٧٥ ثقبًا استكشافيًا خلال خمس السنوات الأخيرة - ما أتاح توفير كميات من الماء تستغل لسد – النقص الحاصل في التزويد بالماء الشروب – في الوسط القروي.

ويشار إلى أن المصالح المركزية لقطاع الماء وبتعاون مع وكالة الحوض المائي ومصالح المياه، أنجزت عدة دراسات تتعلق - بتطهير السائل – في العالم القروي بتكلفة إجمالية تقدر بـ ٢ مليون درهم ١(يورو يعادل ١٠,٧٠ درهم مغربي).

من الممكن ان يكون جديرا بالإهتمام

Failed to retrieve recommended articles. Please try again.