المياه هي الحياة  3 د ناطحات سحاب في الصحراء: كيف تحاول الإمارات العربية المتحدة مواجهة ندرة المياه فيها

لقطة من أعلى لناطحات السحاب في دبي. ©Pixabay

الإمارات العربية المتحدة بلد شيّد في بيئة صعبة تتسم بدرجات حرارة مرتفعة وصحراء قاحلة تندر فيها المياه. ولإرواء عطش سكانها، اعتمدت الدولة الخليجية على تحلية مياه البحر لغاية يومنا هذا. غير أنه في غمرة التغير المناخي والنمو السكاني المتسارع، تعلم الإمارات بأنها لا تستطيع الاعتماد على هذا الحل للأبد، لذلك تقوم باستكشاف حلولٍ أكثر استدامة.

بينما تشعّ ناطحات السحاب في الصحراء ساطعة مبرزةً ثروات البلاد، تواجه الإمارات العربية المتحدة تحديًا خطيرًا يتمثل في ندرة المياه. والواقع أن دولة الإمارات لا تستطيع المفاخرة بثروتها المائية، فمدنها تقف قوية شامخة، إلا أنها تقع في منطقة تفتقر للأنهار أو المياه العذبة. وبما أن المناخ الصحراوي هو المناخ السائد في هذه المنطقة، فإن معدل هطول الأمطار منخفض جدًا حيث يبلغ أقل من ١٠٠ مم في السنة أو قد يبلغ ١٢٠ مم في شمال الإمارات. وتعتمد البلاد الآن على تحلية مياه البحر لتلبية معظم احتياجاتها، بما فيها إنتاج المياه الصالحة للشرب.

وتعد الإمارات العربية المتحدة ثاني أكبر سوق لتكنولوجيا تحلية المياه في العالم. ففي عاصمة الإمارات، أبو ظبي، وحدها يوجد تسع محطات لتحلية المياه "بإجمالي قدرة إنتاجية تبلغ حوالي ٩٦٠ مليون جالون إمبراطوري في اليوم الواحد". كذلك أنشأت المدينة مشروع تخزين المياه الجوفية وإنعاشها للحالات الطارئة، حيث تخزّن مياه الشرب في الصحراء وتبقى صالحة لثلاثة أيام.

إن محدودية الموارد المائية فيها وكذلك سياسات تحويل الصحراء إلى أرض خضراء وضعت الإمارات في دائرة الضوء لإنتاج حلول تضمن إمدادات المياه لسكانها الآخذين بالتزايد. وفي غضون ذلك، صنّف معهد الموارد المائية عام ٢٠١٩ الإمارات في المركز ١٠ من أصل ١٦٤ دولة حول العالم من حيث حجم استهلاك الموارد المائية.

وفي المتوسط، لدى الإمارات أحد أعلى معدلات استهلاك المياه للفرد الواحد في العالم، بمعدل ٥٥٠ لترًا في اليوم، في حين يقول البعض بأنها قد تصل إلى حوالي ٦٠٠ لتر. بالمقارنة، يتراوح المتوسط العالمي بين ١٧٠ و٣٠٠ لتر في اليوم الواحد. ولا يُعزى هذا الارتفاع في الاستهلاك إلى الحاجة المتزايدة لمياه الشرب في مناخ حار فحسب، بل أيضًا إلى النشاطات المكثفة المتعلقة بالبستنة وتنسيق الحدائق والزراعة. هذا وقد نجحت بعض الإمارات، كالشارقة مثلاً، بالتخفيض من حجم استهلاكها حيث تم تقنين استخدام المياه. كذلك استحدثت دبي تعرفة الشرائح على استهلاك المياه، ما يعني أن ثمن المياه يزداد مع ارتفاع معدل الاستهلاك.

بدائل تحلية المياه


إن عملية تحلية المياه تزيد من نسبة الملوحة في البحر وتشكل خطرًا بيئيًا جسيمًا. لذلك، تشكل الجهود المبذولة لإيجاد البدائل أولوية بالنسبة للإمارات. وقد وُجد جزء من الحل في الاستمطار الصناعي للسحب، وهي تكنولوجيا تنتج الغيوم ومن ثم تجعلها تُمطر. وبحسب عدد من المطّلعين، نجح البرنامج في زيادة احتمالية هطول الأمطار بنسبة ٣٠ بالمئة – احتمالية، انتبهوا، وليس إجمالي كمية الأمطار بحد ذاتها.

عام ٢٠١٧، أطلق وزير الطاقة استراتيجية الأمن المائي لعام ٢٠٣٦، وتهدف الاستراتيجية إلى تأمين استدامة الموارد المائية في المقام الأول عبر تخفيض الطلب على المياه بنسبة ٢١ بالمئة. ويتمثل أحد أوجه هذا الأمر في تخفيض كمية الماء المستخدمة في الزراعة. وكانت الحكومة قد استحدثت مسبقًا تقنيات ريّ جديدة، مثل الري بالتنقيط، التقنية التي تستخدم ماءً أقل من الطرق التقليدية بنسبة ٤٦ بالمئة.

 وفي الآونة الأخيرة، دخلت الاستثمارات حيز "المزارع الذكية"، حيث يمكن للغذاء أن ينمو في بيئات مغلقة خاضعة لرقابة شديدة، تتيح إعادة تدوير المياه. ولعل إحدى أبرز الشركات المعروفة في هذا المجال شركة مزارع بادية، الرائد الإقليمي في مجال التكنولوجيا الزراعية. فباستخدامها للتكنولوجيا المائية وبقدرتها على إعادة تدوير المياه تساهم الشركة بقدر كبير في تأمين الاستدامة الزراعية والتنوع الغذائي. ومن باب التوسع الهائل، ستقوم مزارع بادية بنقل "المزرعة العمودية" ذات التكنولوجيا العالية إلى المدينة الصناعية في دبي في الربع الثاني من عام ٢٠٢٠. ولدى هذه المزرعة الضخمة القدرة على توفير حتى ٩٠ بالمئة من المياه المستخدمة في الزراعة، مما يقلل الكمية التي تستهلكها النباتات بالفعل.


يعتقد المدير التنفيذي لمزارع بادية عمر الجندي أن مستقبل الأمن المائي يكمن في هذا النوع من الزراعة، ويشاطره الرأي الكثيرون من الخبراء. وفي مقابلة سابقة له، يقول ساجد مقصود، البروفسور المساعد في كلية الغذاء والزراعة في جامعة الإمارات العربية المتحدة: "يجب أن تكون الزراعة الحضرية والعمودية جزءًا هامًا من استراتيجية" الزراعة باستخدام موارد أقل. إلا أن نجاح الزراعة عالية التكنولوجيا في البلاد يعتمد أيضًا على مدى استعداد الفلاحين وقدرتهم على دمج هذه التكنولوجيات. ولربما لا يزال الطريق طويلاً أمام الإمارات لزيادة التوعية والتدريب قبل إمكانية حدوث أي تغيير حقيقي.

ويُفيد الدكتور خليل عمار، الذي يترأس قسم إدارة الموارد الطبيعية في المركز الدولي للزراعة الملحية (ICBA)، بأنهم بدأوا بتشجيع ١٢٠ مزرعة في أبو ظبي ومناطق أخرى على استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة. وبهذه الطريقة، استطاع المزارعون تخفيف الضغط على المياه العذبة بنسبة لا بأس بها.

الحياة تحت الخطر


لا تهدد ندرة المياه النشاطات اليومية أو الأمن الغذائي فحسب، بل كذلك أفق الحياة ذاته في الإمارات العربية المتحدة. وبما أن النسبة الأعلى من السكان هم من المغتربين، فلك أن تتخيل حجم الضرر الذي قد يلحق بملايين العائلات المتواجدة في دول أخرى، ممن يتلقّون الدعم من أقاربهم في الإمارات.

وأتى مشروع مدينة مصدر، المشروع الإيكولوجي والابتكاري الرائد في الإمارات، ببعض الحلول المختلفة التي يعرضونها في معرض الزراعة المنزلية الذكية "البستاني". وتتصور هذه الحلول اكتفاءً ذاتيًا أكبر لسكان الإمارات العربية المتحدة في تلبية احتياجاتهم الغذائية اليومية والتقليل من الواردات. وجاء هذا العمل بالتعاون مع متخصصين في مجال التكنولوجيا الزراعية من مزارع مدار.
لواردات. وجاء هذا العمل بالتعاون مع متخصصين في مجال التكنولوجيا الزراعية من مزارع مدار.

هذا ويجري برنامج تحلية المياه بالطاقة المتجددة التابع لمصدر عدة دراسات في هذه الأثناء، أيضاً على تقنية تدعى التناضح العكسي بالطاقة الشمسية، حيث تُستخدم بعض الأغشية المحددة لإزالة حتى الجزيئات الكيميائية والبيولوجية الذائبة من مياه البحر لإنتاج مياه الشرب.

كذلك نوقشت إمكانية نقل الجليد من القارة القطبية الجنوبية إلى دبي لفترة من الزمن لحل مشكلة المياه في البلاد، لكن سرعان ما تم استبعادها لكونها فكرة غير واقعية. فحلول من قبيل الاستمطار الصناعي للغيوم والزراعة المستدامة تبدو حلولاً أكثر قابلية للتطبيق بالمقارنة معها.

يقول الخبراء على الأرض بأن أفضل طريقة للتعامل مع هذه الحالة هي تقنين المياه والتركيز على الحلول في مجال الزراعة. بالإضافة إلى ذلك، نصحوا باستخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية في عملية تحلية المياه لتخفيض تكاليف الطاقة ودمج الطاقات البديلة في الممارسات الزراعية.

ويبقى إيجاد حلول أفضل لندرة المياه في الإمارات على رأس الأولويات. وبما أن المسألة مسألة حياة أو موت، يجوز القول بان هذا التحدي يمثل التحدي الأكثر مصيرية بالنسبة لمستقبل الدولة الخليجية.
 

من الممكن ان يكون جديرا بالإهتمام

Failed to retrieve recommended articles. Please try again.