الوصول السريع:

(Alt 1) إذهب مباشرة إلى المحتوى (Alt 2) إذهب مباشرة إلى مستوى التصفح الأساسي

أفكار تنويرية يُعاد اكتشافها
الفن الإسلامي المعاصر في تاريخ أفكار العولمة

Ausstellung "Forgotten Enlightenments"
© HALLE 14, Walther Le Kon, 2019

فستان أسود لامع أمام خلفية داكنة، كفان بتقاسيم تعبيرية قوية يرقصان، رقصة غربية، رقصة "شرقية" – أيا ما كان هذا؟ تبقى الراقصة محجوبة عن الرؤية، من مقطع صوت "آآآآه" يعتقد المرء سماع بداية آذان صلاة، إلا أنه سرعان ما ينقلب الصوت إلى أغنية بوب غربية، هذا بالضبط ما تهدف إليه الفنانة أناهيتا رازمي من كولاج-الفيديو-صوت خاصتها: خلق مزيج من الإبداع الفني، إيضاح أن أشكال التعبير الثقافية يمكن تبنيها من قِبل ثقافات مختلفة.

من كريستوفر ريش

يُعد فيديو رازمي جزءًا من معرض "أفكار تنويرية في طي النسيان – قصص مجهولة عن الإسلام في الفن المعاصر" المدعم من قِبل معهد جوته القاهرة، والذي يمكن حضوره حاليًا في جاليري الفن بالمنطقة الصناعية القديمة بمدينة لايبزج، بالتحديد: في قاعة ١٤ المخصصة دومًا لكل الخارج عن الإطار المألوف – هكذا أعدت القاعة مثلًا برنامجًا لتعليم الفن يهدف إلى إتاحة دخول الأطفال والشباب إلى عالم الفن، في حالة المعرض القائم حاليًا تعتبر الرؤية مفتوحة على مصراعيها، لتشمل باكستان، إندونيسيا وأبعد من هذا أيضا، فهي تعود بالزمن للوراء، إلى عصر النهضة، إلى العصور الوسطى.

من يقترب من المعرض يظل بالطبع معلقًا بهذا المصطلح الجذاب: عصر التنوير، إن التنوير من نتاج الغرب المسيحي وبفضله تفوق فكريًا وثقافيًا على الشرق الإسلامي، هذه هي المقولة الشائعة في أروقة التعليقات المغذاة بأفكار الشعبوية في زمننا المعاصر، يريد الثنائي المسئول ميشائيل أرتس من القاعة ١٤ وإلهام خطّاب من مبادرة القاهرة الفنية "خارج الدائرة" الاعتراض على هذا المعنى قليلًا، "إن المعرض يوضح بمنتهى الدقة أن النهضة والتنوير في أوربا لم يكونا ليوجدا بهذا الشكل دون الإسلام"، هكذا يقول ميشائيل أرتس، المدير الفني لقاعة ١٤، وتكمل إلهام خطّاب: "ربما لا يتم تدريس هذا في الكتب المدرسية الغربية إلا أننا لدينا تاريخًا طويلًا في العلم والتجديد."

ليست التأثيرات المتنوعة الهائلة بحق لأعمال العلماء المسلمين الأسبقين – وبالمناسبة أيضا النساء العالمات مثل عالمة الفلك مريم الأسطرلابي من القرن العاشر – هي الموضوع الجوهري للمعرض، الأهم بالنسبة للمعرض هو فتح آفاق رؤية جديدة أمام الجمهور،  فمثلا تلك الأعمال المثيرة للضحك والمستفزة للتفكير لأبعد حد الخاصة بسكينة جوال، المولودة في المغرب عام ١٩٩٠: يتعرض عملها الفني لموضوع اللحم، في عبوات، على سكاكين الذبح، في إعلانات الطريق المضاءة بالنيون، مما يثير إحساسًا بالتوجس – ويظهر في الوقت ذاته التوجس الخاص بالغرب تجاه الإسلام، هناك فقط تناقش طاولات الصفوة تعاليم الطعام عند المسلمين، هناك فقط يتحدث الناس عن لافتات "حلال" المعتادة أمام المطاعم، ويُعتبر حتى الدونر اختراع ألماني.   
 

  • Ausstellung "Forgotten Enlightenments" © HALLE 14, Walther Le Kon, 2019
  • Ausstellung "Forgotten Enlightenments" © HALLE 14, Walther Le Kon, 2019
  • Ausstellung "Forgotten Enlightenments" © HALLE 14, Walther Le Kon, 2019
  • Ausstellung "Forgotten Enlightenments" © HALLE 14, Walther Le Kon, 2019
  • Ausstellung "Forgotten Enlightenments" © HALLE 14, Walther Le Kon, 2019
  • Ausstellung "Forgotten Enlightenments" © HALLE 14, Walther Le Kon, 2019
كذلك الحجاب يعتبر في هذا الإطار رمزًا للهاجس الذي ينتابنا تجاه الإسلام والذي لا يقوم على أية حال على المعرفة، تصف الفنانة فريال بن دجيما في سلسلة صور البورتريه: "نحن، هم وأنا" وجهات نظر مختلفة عن قطعة الملابس هذه وبذلك عن المرأة المسلمة، متدينة أو مدخنة، تحمل مصاصة أو شارب: تحول بن دجيما المرأة المصورة، بالمناسبة ونفسها أيضا، إلى ما لا تزال عليه في الأعم الأغلب من منظور غربي - مساحة إسقاط للتوقعات ووجهات النظر الخاصة.

ولدت فريال  بن دجيما عام ١٩٨٠ بالقرب من دريسدن إلا أنها نشأت في الجزائر، الأمر عكس ذلك عند مناف حلبوني: فقد ولد في سوريا ويعيش منذ ما يقرب من عشر سنوات في دريسدن، يعرض حلبوني في هذا المعرض فن الخط العربي المشهور كثيرًا بجمالياته، مصبوب في خرسانة قاسية تشير إلى التدمير الذي لحق بالمدن السورية، ليس حلبوني ممن يخشون المواجهة: فسر أنصار حركة بيجيدا والحفاظ على الهوية التكوين الفني "مونومنت" خاصته، والذي يصور ثلاث حافلات متراصة عموديًا بجانب بعضها البعض للتذكير بالحرب الأهلية في سوريا، على أنه استخفاف بضحايا دريسدن أثناء الحرب العالمية الثانية، كذلك على أنه تمجيد للإرهاب، العكس بالتحديد هو المقصود، هكذا يجيب حلبوني.   

دريسدن، لايبزج، ساكسونيا: حيثما يصبح المكان جزءًا من اللعبة يصير معرضٌ للفن المعاصر ذا أبعاد سياسية، يعلم الثنائي المسئول ذلك بالطبع، قبل عدة أعوام عندما كانت إلهام خطّاب تعمل كمديرة للمبادرة الفنية "خارج الدائرة" في جاليري لايبزج للفن المعاصر شهدت مظاهرة لحركة ليجيدا، الفرع المحلي لحركة بيجيدا، تظاهر هذا الجمع في الماضي ضد ما يدّعون من "زيادة اغتراب" وطنهم الثقافي بواسطة الإسلام،  "أعلن هؤلاء الناس بمنتهى الوضوح أن العرب والمسلمين ليس مرحب بهم هنا"، كما تقول خطّاب، "ولذلك وجدت الأمر مثيرًا للاهتمام عندما تواصل معي بعد ذلك ميشائيل أرتس بفكرة توصيل معلومات أكثر عن المسلمين والإسلام إلى الناس"، وربما ساهم هذا في أن خطّاب تعتبر لايبزج حاليًا وطنها الثاني، حقيقة أن الناس لم يقدروها التقدير الكافي في البداية لأنها ترتدي حجاب لا يجعلها تشعر بالاستياء منهم، "استمر الأمر بعض الوقت حتى فهموني وفهموا خلفيتي".

تقول خطّاب أن فيديو - "آآآآآه" الذي ذكرناه آنفًا للفنانة أناهيتا رازمي قريب جدًا منها، لأنه حملها على إعادة التفكير – هل من الصواب عرض أصوات من آذان الصلاة سويًا مع أداء حركي راقص؟ "أم أنه أنا من تبالغ في تقدير الأمر؟ ليس فقط الغرب هو من لديه صورًا نمطية عنا كمسلمين، كذلك نحن لدينا هذه الصور النمطية عن أنفسنا"، جعلها فيديو رازمي تعيد التفكير من جديد في أنه ينبغي أن تكون الثقافات مفتوحة أمام التأثيرات الخارجية.

معظم الأعمال المعروضة في معرض لايبزج ليست جديدة إلا أن التوليفة الشاملة لموضوعات وأشكال فنية شتى هي ما تجعل المعرض جديرًا بالمشاهدة، أحيانًا تكون الإشارة إلى موضوع التنوير الذي يظلل المعرض غير واضحة تمامًا، إلا إذا أصبح المرء مستعدًا لأن يخطو بتفكيره خطوة جانبية: فكما كانت مرحلة الإزدهار الإسلامي هامة للتنوير الأوربي  تكمن في كل واحد منا مراحل ذروة ثقافات أخرى شديدة التنوع معًا، نحن نؤثر على بعضنا البعض وليس فقط منذ عصر العولمة، من الأهمية بمكان معرفة هذا، إلا أنه يتطلب، تحديدًا: تفكيرًا متنورًا.
 
معرض "أفكار تنويرية في طي النسيان – قصص مجهولة عن الإسلام في الفن المعاصر" ممتد حتى ٤ أغسطس ٢٠١٩