سوق الكتب
أدب الأطفال في أزمان الحرب

من أنتيّه إيهمان

الحرب والفرار والتشريد – دائما ما يكون الأطفال أيضا هم المتضررون وهم من يتحتم عليهم مع عائلاتهم تحمل ما يطرأ من تغيرات جذرية. يمكن للقصص أن توفر السلوى، كما يمكن لكتب الأطفال غير الأدبية أن تقدم الحقائق والتفسيرات على نحو ملائم لأعمار الأطفال. ولذلك فإنه ليس مما يثير الاندهاش أن تتعامل عديد من الإصدارات الجديدة من المنظور الفني مع هذا الموضوع بعينه من أجل جعل الواقع – في الأحوال المثالية – قابلاً للفهم على نحو أفضل. أما بعد فإننا سنقدم فيما يلي خمسة عناوين ذات صلة، فاز بعضها بجوائز أدبية مهمة، وهي تتمتع سواء من ناحية طريقة المعالجة أو من ناحية افتتاحياتها بطاقة إقناعية متميزة.

الكتاب المصور

مراسل أدبي في شئون السلم، هذا ما استهدف فيلّي فايتسِل أن يكونه. لكنه بعد أن رأي مذهولا الصور التلفزيونية الأولى بعد بدء الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا بدأ يفكر في المساهمة التي قد يمكن له أن يقدمها بواسطة مواهبه. هكذا خطرت له فكرة الكتاب المصور الذي وضعت رسوماته فيرينا فوجيديتش بحساسية وطاقة تعبيرية قوية وحمل عنوان "لقد اندلع السلام". العنوان بادئ ذي بدء عبقري، لأنه يتصدى للعبارة الاصطلاحية الشائعة ويحولها إلى نقيضها؛ ويبدأ على الفور التأمل فيما هو مستغلق على الإدراك. تطرح الابنة على الأب في حوار متخيل أسئلة كثيرة حول الحرب والسلام، حيث ينير الحوار الجوانب المختلفة مثله في هذا مثل المصباح اليدوي في الظلمة. "السلام يعني بالنسبة لي ذلك المشهد الموجود في نهاية الكتاب المصور تماما؛ إنه شعور عميق بالسكينة. لكن السلام يرتبط بعوامل كثيرة: إذا سار الأمر على نحو لا يفتقد العدالة، إذا سار الأمر على نحو يتسم بالعدالة. وإذا عشت الحرية وتماشى معها المسئولية والرعاية والحب فهناك إمكانات طيبة لأن يندلع السلام"، بحسب ما يرى فيلّي فايتسِل. في يناير/ كانون ثان 2023 منحت الأكاديمية الألمانية لأدب الأطفال والشباب هذا الكتاب المصور جائزة 'كتاب الشهر'؛ إذ للرسامة فيرينا فوغيديتش أيضًا باع في أن تعرض برفق ما هو مخيف مثل المنازل المحترقة أو الجنود.

كتب غير أدبية للأطفال والشباب

لا يمكن تطبيق ذلك دائمًا على الصور الفوتوغرافية، إلا أن آليا هورست كُتب لها التوفيق في ذلك، حيث يقع اختيارها على مجموعة من البورتريهات الموحية للأطفال الذين يتعين عليهم العيش في مخيم كارا بيبي للاجئين في ليسبوس، ثالث أكبر جزر اليونان. الكتاب يحمل عنوان "أحيانًا أرسم منزلًا لنا – نحن أطفال أوروبا المنسيين" ويتيح للمتصفحين له اكتساب نظرة متعمقة على الحياة اليومية لهؤلاء الأطفال. على الجانب الأيسر من الكتاب جُمعت أفكار الأطفال ورغباتهم وكوابيسهم التي سمعتها هورست في كثير من المحادثات. على الجانب الأيمن يمكنك رؤية الصور الملونة وهي تركز على الأطفال، وفي الخلفية تظهر المناظر الطبيعية وكذا الخيام أو الحاويات التي أقيمت على نحو متواضع. رسم مهرداد زايّري صورًا صغيرة مظللة الحواف باللونين الأسود والأصفر وملأت المنازل بما يُشغف به قلوب الأطفال؛ الطفلتان "أسرا" و"تبسُم" يحبان عرائسهما الباربي. أما "تايّالا" فتحب الرسم و"علي رضا" يحب لعب كرة القدم. "عندما كنت طفلاً لاجئاً في الخامسة عشرة من عمري كانت لدي أنا نفسي الأمنية في أن أعثر مع أبويّ وأخواتي على منزل لنا من جديد. يقول مهرداد زايّري: "من راوده – ولو مرة – مثل هذا الشوق العميق لن ينساه مرة أخرى أبدًا". وبالفعل يظل صدى تلك الأقدار المعروضة هنا يتردد طويلا ليظهر بوضوح عظيم أنه لا ينبغي للأطفال أن ينشأوا في مثل هذه البيئة.

غير أن أكثر من نصف اللاجئين في العالم هم من الأطفال. ومن ثم يقدم كريستوف دروسر ونورا كويننبرغ للأطفال في سن المدرسة الابتدائية في كتاب "كان علينا الفرار – ماذا يعني أن تترك وطنك وأن تبدأ في مكان ما من جديد" مدخلا للموضوع يتسم بالأهمية والشمول وسهولة الفهم. يعرض الاثنان في بورتريهات قصيرة عشرة أطفال اضطروا إلى الفرار من أوكرانيا وأفغانستان وسوريا. يقول كويننبرغ: "لقد وضعنا من خريف عام 2021 موضوع الهجرة نصب أعيينا، ولكن بعدها في صيف عام 2022 اتخذ التصميم الفني بعدا شديد الحراك بفعل الموقف الراهن. لقد أوضح لي العمل إلى أي مدى يضرب موضوع الفرار بجذوره في تاريخ البشرية على نحو معقد وشديد العمق، ومدى أهمية أن نساعد نحن البشر بعضنا البعض في مثل هذه المواقف". مجددا أمكن للفريق المتناغم بامتياز والحاصل على جائزة أدب الشباب الألماني في فئة الأعمال غير الروائية لعام 2021 عن كتابه "100 طفل" أن يقنع القارئ مجددا. وبعد القراءة المستفيضة سيعرف القارئ المزيد – أخيرا وليس بآخر – بفضل التنسيق الذكي للكتاب ومخططات المعلومات البيانية (الإنفوغرافيك) والأفكار الملموسة في الفصل من الكتاب الذي يحمل عنوان "كيف يمكنني المساعدة؟".

روايات الأطفال والحواديت الخرافية

كانت المساعدة – من بين دوافع أخرى – هي المحرك للصبي كاي الذي كان جده القريب من قلبه والذي يعاني الآن من مرض الخرف على وشك الانتقال إلى دار للمسنين. صرح المؤلف زوران درفينكار تعقيبا على هذا بما يلي: "لقد انفتح لي ببطء العالم الذي كان عالق فيه الحفيد وجده – أي أن أحدهما كان يريد مساعدة الآخر وأن الاثنين كان يربطهما شعور الانتماء. أخيرًا وصلت إلى النقطة التي بدأت تشكّل القصة: ماذا علينا – يا ترى – القيام به من أشياء لا حصر لها لكي ينقذ بعضنا البعض الآخر – من النسيان والضياع والأكاذيب الكثيرة التي تصنع أيضا الحياة". في العمل الذي يحمل عنوان "كاي يذهب إلى الحرب ويعود مع الجد" يعالج المؤلف المحنك موضوع عالمية الحرب، حيث ينطلق الحفيد والجد معًا في رحلة خيالية عبر الزمن توفر لكليهما خبرات ومعارف عميقة. يحصل الطفل البالغ من العمر أحد عشر عامًا نظرة مُعمقة جديدة تمامًا عن معايشات جده في أثناء الحرب: هل يا ترى قَتل أشخاصًا آخرين؟ كيف استطاع أن يواصل الحياة مع كل الذكريات المؤلمة وهل كان الجد الذي لم يتعد عمره آنذاك الأربعة العشرة عاما بطلاً حقًا؟ لا شيء في الحرب أصبح له مغزى، ويتيح درفينكار لقرائه الصغار التشارك في هذه الرؤية – بصياغة لغوية موهوبة، بأفكار وصور ذكية يستمر صداها في الآذان لفترة طويلة.

لدى الطفلين في حدوته كيرستن بويه الخيالية الجديدة "طائر الأمل" لحن يرافقهما، يمكن سماعه على السي دي الذي يحمل نفس الاسم والذي يقرأه ببراعة يونا مويس. ليس لديهما أي أسلحة، على الرغم من الرحلة التي انطلق إليها يابو وألفا مليئة بالمغامرات، لأنه لم يعد هناك في الأرض السعيدة أي شيء على حاله القديم؛ فالناس في جفاء وعبوس. واليأس آخذ في الانتشار. "والآن أيضا ينتابنا نفس الإحساس مرة أخرى بسبب الحرب في أوكرانيا. تقول كيرستن بويه: "صعوبة الشعور بالثقة وانعدام الأمل في أن تتحسن الأمور ربما عن قريب تثقل كاهل كثيرين". تلمع بين السطور قدر عظيم من المعرفة الإنسانية، ودائمًا ما تأخذ المؤلفة من مدينة هامبورغ ذات الخبرة العريضة بأيدي الأطفال في ود من خلال مخاطبتهم مخاطبة مباشرة. ابتكرت كاترين إنغيلكينغ لهذا الغرض مشاهد ذات ألوان مركزة وأجواء وثيقة: تتعرض هيلين البطولية لأزمة بحرية خطيرة في عرض البحر، وعلى متن السفينة عصابة اللصوص برفقة زعيمها الآمر الناهي، كما نرى طائر الأمل البديع على خلفية اكتمال القمر بدرا. توضح لنا إنغيلكينغ هدفها: "بالنسبة لي يتحقق السلام عندما يتعايش الناس بالتصور القائل بأن 'عش ودع الآخرين يعيشون'، لكنهم لا يزالون على استعداد للانخراط في المجتمع ويرون في التنوع مصدر قوة وليس تهديدًا لحياتهم هم أنفسهم." تقدم الكتب الخمسة كافة مادة للتأمل والتناقش حول هذا الموضوع العسير بطريقة فنية رائعة.