الوصول السريع:

(Alt 1) إذهب مباشرة إلى المحتوى (Alt 2) إذهب مباشرة إلى مستوى التصفح الأساسي

إيريش كِستنر مؤلفا للسيناريو
بين كونه كاتبا للأدب الاستهلاكي والأدب الكلاسيكي

الممثلة إلزه فيرنر في فيلم مونشهاوزن (1943).
الصورة: مؤسسة مورناو

يعتبر إيريش كِستنر أحد أكثر المؤلفين الألمان الذين حولت أعماله إلى أفلام سينمائية. ومع ذلك ظل عمله الشخصي من أجل مجال الفيلم غير خاضع للبحث العلمي لفترة طويلة، حيث احتلت كتابة السيناريوهات مساحة عريضة من أعمال كِستنر ويظهر من خلالها فترات من الاستمرارية والانقطاع وخطوط اتصال وعلاقات – وبعض النهايات الفضفاضة.

من ماركوس يونغلينغ

مبكرا في عام 1927 مهّد المخرج راينهولد شونتسل نائبا عن شركة يونيفرزوم فيلم "أوفا" سبيل العمل المشترك مع الكاتب الطموح. من ناحيته أدرك كِستنر أيضًا الفرصة لتوظيف إنتاجيته الهائلة في خلال هذه السنوات ومواهبه هنا. بصفته كاتبا صحفيا تعلم الاستجابة بمرونة مع المتطلبات؛ وبصفته "كاتبًا استهلاكيا" شق طريقه بسهولة إلى العمل التعاوني حيث يؤثر المنتجون والمخرجون ونجوم السينما عادة على تطوير المادة الأدبية. كان لديه إحساس طيب بالإعداد الدرامي وبناء المشاهد. وبفضل أسلوبه المقتضب الفريد كان قادرًا على كتابة حوارات أنيقة مليئة بالذكاء والروح.

البداية كمؤلف مشارك

في عام 1931 كتب التوفيق لكِستنر في الدخول في عالم تلك الصناعة : فقد عمل دون ذكر اسمه في الكوميديا التي حملت عنوان "القرف" وهو عمل كُلف به من أجل التعلم وكسب مال معقول. كما كتب مونولوجات للعمل الساخر من الاقتصاد الذي حمل عنوان "حقائب السيد أو إف". كان العمل الأكثر طموحًا هو "ربما كان الأفضل زيت كبد السمك". كان الفيلم القصير المفقود للأسف [يمكن العثور على السيناريو في طبعة أعمال كستنر] هو أول أفلام المخرج ماكس أوفولس بعنوان "لولا مونتيه"؛ كان المؤلف المشارك لكِستنر هو إيميريش بريسبورغر الذي أبدع لاحقًا في انجلترا مع مايكل باول في دور "عائلة أرشر" أفلامًا مثل "حكايات هوفمان" أو "الحذاء الأحمر".

لقد كان ذلك زمن جمهورية فايمار بحياتها الثقافية الثرية وبوسيلتي الإعلام الجديدتين المشوقتين الراديو والفيلم (الناطق). خلال هذا الوقت استخدم كستنر جميع إمكانات الوسائط المتعددة. بعد النجاح العالمي الذي حققه الكتاب سرعان ما جرت اقتباس روايته للأطفال "إيميل والمحققون السريون" لتتحول إلى مسلسل إذاعي ومسرحية وفيلم. حتى أن إيريش كِستنر كتب بنفسه أول نسخة من سيناريو الفيلم المقتبس مع بريسبرغر التي تم مع ذلك رفضها. وبعد عدة تنقيحات استكمل الشاب بيلي فيلدر (Billie ) (الذي سيسمى لاحقًا Billy) السيناريو.

أوفولس، بريسبورغر ، فيلدر – يالها من مواهب عمل معها كِستنر العمل في هذا المناخ السينمائي في ألمانيا آنذاك! هل كان من الممكن أن يكون ينجم عن هذا التعاون أي مشاريع أخرى؟ عندما وصل الاشتراكيون الوطنيون (النازيون) إلى الحكم في ألمانيا في عام 1933 رحل الفنانون الثلاثة إلى المنفى. لكن كِستنر بقى.

الحظر المهني في ألمانيا النازية

لقد كان منعطفا مؤلما ومستقبلا مبهما. بسبب القصائد السلميّة التي تصور أدولف هتلر في قالب هزلي ورواية "فابيان" التي تم وصمها بأنها "إباحية" أغلق الاشتراكيون الوطنيون أبواب البيت الأدبي في الرايخ أمام كِستنر. كان عليه، وهو الذي كان أحد أشهر وأنجح الكتاب في البلاد، أن يشاهد كيف أن كتبه قد اضرم فيها النيران علنًا وكيف أنه لم يعد مسموحًا له بالنشر في ألمانيا.

لم يأنس في نفسه القدرة على المقاومة. "لم أهدد ملوحا بقبضتي. كل ما فعلته أن قبضت عليها في داخل جيبي"، هكذا كتب كِستنر لاحقًا. لكنه أيضا لم يكن يبغي الذهاب إلى المنفى، فقد كان يخشى أن تنقطع سبل الاتصال بوالدته التي كانت تربطه بها علاقة وثيقة جدا والتي كانت عرضة لخطر الانتحار بسبب مظاهر الاكتئاب التي أحلت بها. كما كان يظن بأن النازيين لن يبقوا في السلطة لفترة طويلة. لذلك اختبأ كِستنر خلف قناع اللامبالي وتعمد أن يراه الآخرون على نحو استعراضي بمظهر من لا خوف منه في المقاهي وفي ملعب التنس. لقد نأى بنفسه عن الأيديولوجية النازية، لكنه بحث عن استراتيجيات لكسب الرزق تمكنه من أن يعيش من الكتابة.

الترويح في مواجهة الكراهية والتحريض

ومنذ ذلك الحين أخذ الناشرون في سويسرا في إصدار كتبه، حتى أنه سُمح بإعادة استيرادها إلى ألمانيا وبيعها هناك. كما مكّن هذا الأمر المؤلف الذي اشتهر خارج الحدود الألمانية بفضل "إيميل والمحققون السريون" من بيع حقوق الأفلام لكتبه. تفسير هذا الوضع العبثي إلى حد ما تمثل فيما يلي : كلا الأمرين كان يجلب العملة الأجنبية للنظام. تبدو روايات "ثلاثة رجال في الثلج" (1934)، و"المنمنم المفقود" (1935)، و"المعبر الصغير" (1938) للوهلة الأولى سلعًا ترويحية لا سياسية. وكان هذا يتوافق مع حسابات كِستنر بعدم الدخول في صراع مع أصحاب السلطة والبقاء ناجحًا من الناحية التجارية. ومع ذلك فإن هناك مستوى آخر. ففي عام 1936 نشر كِستنر كتابه "صيدلية المنزل الشعرية"، وهو عبارة عن مجموعة من القصائد الوظيفية لـ "علاج الحياة الخاصة". ومن يظن أن الكتاب كان مجرد عمل ساخر فلا بد له أن يعرف أن الناقد الأدبي اليهودي مارسيل رايش-رانيسيكي قد وصف لنا في سيرته الذاتية مدى السلوان الذي استطاع أن يستمده من قصائد إيريش كِستنر في الغيتو خاصته في وارسو.

لا تتمتع روايات حقبة الثلاثينيات لكِستنر بالعمق الذي حظيت به أفضل قصائده، لكنها مع ذلك تمثل صورة مضادة للحاضر الكئيب. تدور أحداثها في مواقع سياحية متحررة من عامل الزمان تصف تلك الروايات أزمات كوميدية قائمة على الربكة والالتباس يمكن حلها بسهولة في الحبكة؛ وهي تقدم بورتريهات لأشخاصً يتعامل أحدهم مع الآخر بمهارة وود. وهو ما يمثل رفضا مقصودا للكراهية والتحريض الذي تشهده بلده هو نفسه، الذي تشهده ألمانيا. وهذه الروايات عظيمة النجاح كانت ملائمة تمامًا كمادة سينمائية. شهدت رواية "ثلاثة رجال في الثلج" في ذلك الوقت أربعة اقتباسات ومن بينها النسخة التشيكية (Tři muži ve sněhu  أي: موسيقات ثلاثة وصوت ، 1936) وفيلم اقتبسته هوليود من إنتاج مترو غولدوين ماير. كما كان هناك خطة لاقتباس نفس الشركة لعمله "المنمنم المفقود" في عام 1939 ولكنها بعد بدء الحرب العالمية الثانية لم تر النور.
 

الفرصة الكبيرة ؟

في بداية الأربعينيات، غير كِستنر استراتيجيته وحاول الانخراط في مجال صناعة الأفلام مرة أخرى، حيث قام بتنشيط اتصالاته مع شركة يونيفرزوم فيلم (أوفا) وعرض على نجوم مثل إيميل ياننجس (Emil Jannings) ويني يوغو (Jenny Jugo) أن يكتب لهم. بعد عدة أوجه من التعاون في كتابة السيناريو (لم يكتب عليها اسمه) حصل على فرصة عظيمة؛ حيث كُلف كستنر بتصريح خاص من وزير دعاية الرايخ غوبّلس بأن يكتب بالاسم المستعار "بيرتهولد بورغر" سيناريو فيلم "مونشهاوزن" (1943).

يعد الفيلم الذي أنتج بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاما على تأسيس شركة يونيفرزوم فيلم (UFA) ورصد له ميزانية هائلة بلغت  6 ملايين مارك رايخ ألماني أحد الأفلام الألمانية الكلاسيكية بفضل طاقم عمله من النجوم والحيل الخلاقة والجماليات البصرية. كما أن النص الذي كتبه كِستنر كان قد أسهم هو الآخر في ذلك النجاح، حيث نجح في غزل القصص المعروفة والمبتكرة حديثًا عن حياة هذا "البارون الكذاب" في داخل نسيج الحدث المركب. ومع ذلك لا يمكن أن يُنكر على الفيلم طابعه كفيلم معبر عن أبهة النظام النازي. وإذا ما نظرنا إلى الوضع التاريخي في ذلك الوقت (الحرب الألمانية السوفيتية، الهولوكوست، الاضطهاد وإدانة المنشقين بواسطة محكمة الشعب) فسنجد أن هناك كثيرا من الأيديولوجية المستترة مثل العنف اللحظي الذي عادة ما يقع على نحو فكاهي أو الشخصية الموصومة بمعاداة السامية كاغليوسترو (التي أدى دورها فرديناند ماريان استنادًا إلى شخصية "يود زوس"). وحقيقة أن المسالم وصديق الإنسانية إيريش كِستنر قد كتب مثل هذا الفيلم ذو الطابع العسكري الذي يحط من قدر كثير من الشخصيات (مقارنة بشخصية البطل "الألماني" عنده) يثير التساؤلات حول مدى التنازلات الأخلاقية التي جُرجرت إليها أقدام كِستنر.

ويقابل هذا ما تقدمه لنا الكوميديا الرومانسية الساحرة "المعبر الصغير" (1943) حيث استطاع كِستنر بمساعدة التصريح الخاص أن يقتبس روايته سينمائيا – التي تمثل هروبًا من واقع الحرب. غير أن أمله لتحقيق اختراق ككاتب سيناريو لم يكتب له النجاح. فقد شعر أدولف هتلر بأنه قرار غوبّلس قد تجاهله، ومن ثم أمر بحذف ذكر كِستنر من مقدمة كلا الفيلمين مجددا بهذا الحظر المهني بحقه.

يصف كِستنر في مذكراته "ملاحظة من عام 1945"آخر تكليف من "الرايخ الثالث" حصل عليه لكتابة السيناريو. ففي خلال اضطرابات الحرب استعان بخدماته أصدقاؤه لتصوير فيلم في تيرول. غير أن المشروع بأكمله، بما في أعمال التصوير، قد تم فبركته، لا لشيء سوى من أجل حماية المشاركين من التفجيرات والتجنيد الإجباري.

رد الاعتبار لكيستنر بصفته كاتبا كلاسيكيا

بعد انهيار النظام النازي حدث ما يشبه برد الاعتبار لإيريش كِستنر بصفته كاتبا كلاسيكيا. ظلت شعبيته بين عامة الناس على حالها، ومن ثم شهدت فترة ما بعد الحرب ازدهارا حقيقيا لكستنر في عموم السينما الألمانية، حيث قام المؤلف الخبير بالسيناريوهات باقتباس كتبه سينمائيا بنفسه. وتسنى تحويل رواياته الثلاثة، التي تعود لفترة الثلاثينيات، إلى أفلام في السينما الترويحية في الخمسينيات بسلالة بفضل ما كان في تلك الروايات من إنسانية متحررة من قيود الزمان. يُعرض فيلم "ثلاثة رجال في الثلج " (1955) في التلفزيون الألماني كل عام في أعياد الميلاد، حتى يومنا هذا.
لا يزال إلى يومنا هذا تُقتبس من جديد أعمال إيريش كِستنر. أما كتبه للأطفال مثل "الفصل الطائر" و"لوته الصغيرة المزدوجة" فقد تم ملائمتها مع العصر الحاضر بحرص لتتناسب مع الأجيال الجديدة من الأطفال. من ناحية أخرى تقدم لنا المعالجات الفيلمية المستندة إلى سيناريوهات كستنر "كِستنر في صورته الخالصة". إنها كبسولات زمنية عن جيله، يواكبها مناخ حقيقي، وحوارات أصلية، وتلك التعليقات السردية الدافئة الساخرة التي كان ينطقها غالبا كِستنر بنفسه.

نظرة عامة على سيناريوهات إيريش كِستنر

ثلاثة رجال في الثلج، المنمنم المفقود أو الحب بحاجة إلى التعلم: هذه مجرد بعض الأفلام التي كتب سيناريوهاتها إيريش كِستنر

ثلاثة رجال في الثلج، المنمنم المفقود أو الحب بحاجة إلى التعلم: هذه مجرد بعض الأفلام التي كتب سيناريوهاتها إيريش كِستنر | © mfa-film.de